الجزائر

سماء صافية °C 22

أزمات متتالية تضرب فرنسا: هل آن الأوان للجمهورية السادسة؟

الجمهورية السادسة فرنسا

تشهد فرنسا أزمة سياسية هي الأخطر منذ تأسيس الجمهورية الخامسة في عام 1958 على أعقاب حرب التحرير الجزائرية. حيث تعاقبت أربع حكومات في عام 2024 وحده، في مشهد يعكس تفكك النظام السياسي وعجزه عن إدارة الأزمات المتصاعدة. هذه الاضطرابات أثارت جدلًا واسعًا حول مستقبل النظام الحالي. وسط دعوات متزايدة لإعلان الجمهورية السادسة.

البرلمان الفرنسي غاضب من ماكرون

أزمة سياسية غير مسبوقة

بدأت سلسلة الاضطرابات بحل البرلمان في محاولة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لاستعادة السيطرة السياسية. لكنها جاءت بنتائج عكسية. الإنتخابات المبكرة أسفرت عن برلمان منقسم بين ثلاث قوى رئيسية: الجبهة الشعبية اليسارية بقيادة حزب “فرنسا الأبية“، واليمين المتطرف بقيادة التجمع الوطني، وتحالف ماكرون الوسطي. هذا الانقسام شلّ عملية اتخاذ القرار. إذ لا تملك أي كتلة أغلبية تؤهلها لتشكيل حكومة مستقرة.

تفاقمت الأزمة مع تعيين ميشيل بارنييه رئيسًا للحكومة رغم حصول حزبه على خمسة مقاعد فقط في البرلمان. إستمرت حكومته أقل من شهرين قبل أن تسقط بتصويت تاريخي على حجب الثقة، حيث صوت 330 نائبًا من أصل 577 ضدها، ما جعلها أقصر الحكومات عمرًا في تاريخ الجمهورية الخامسة.

النظام السياسي الحالي، الذي أسسه الجنرال شارل ديغول، منح صلاحيات واسعة للرئيس، لكنه أبقى على البرلمان كقوة رقابية قادرة على إسقاط الحكومات. هذا التوازن الهش أدى إلى أزمات متكررة، خاصة عندما يفتقد الرئيس إلى أغلبية برلمانية، كما هو الحال اليوم. يرى المراقبون أن هذا النظام، الذي صمم لعصر مختلف، لم يعد يلبي متطلبات التعددية السياسية والتغيرات الاجتماعية في فرنسا.

دعوات متزايدة للجمهورية السادسة

مع استمرار الأزمة، تتزايد الأصوات المطالبة بإصلاح جذري للنظام السياسي. يقول باسكال ديلويت، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بلجيكا الحرة: “نموذج الجمهورية الخامسة عفا عليه الزمن. فرنسا لم تعد تعيش في عصر ديغول”. ويضيف أن التركيز الكبير على شخصية الرئيس أضعف الأحزاب السياسية وعمّق الانقسامات، ما أدى إلى تشرذم المشهد السياسي وتزايد العداء بين الأطراف المختلفة.

الدعوات لإعلان الجمهورية السادسة تتركز حول نظام سياسي جديد أكثر ديمقراطية. المقترحات تشمل التحول إلى نظام برلماني كامل، حيث يكون رئيس الوزراء هو المسؤول التنفيذي الأعلى، أو نظام رئاسي أكثر وضوحًا مع فصل أكبر بين السلطات. لكن أي إصلاح يتطلب توافقًا سياسيًا واسعًا، وهو أمر يبدو صعب المنال في ظل الانقسامات الحالية.

الأزمة السياسية لم تقتصر تداعياتها على المشهد السياسي فحسب، بل امتدت لتشمل الإقتصاد الفرنسي المتعثر. مع عجز بلغ 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الأعلى في منطقة اليورو، تواجه الحكومة الجديدة تحديًا كبيرًا في تمرير ميزانية 2025. إستمرار عدم الاستقرار قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإقتصادية وزعزعة الثقة في المؤسسات الفرنسية.

ماذا بعد؟

يرى خبراء أن الخيارات أمام فرنسا محدودة. استمرار الأزمة قد يؤدي إلى شلل طويل الأمد في العمل الحكومي، مما يفاقم الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية. وفي المقابل، قد يكون الضغط الشعبي المتزايد والدعوات للإصلاح الدستوري القوة الدافعة نحو التغيير.

فرنسا تقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم. إستمرار نظام الجمهورية الخامسة بمشاكله الحالية لم يعد خيارًا مستدامًا، والتحول إلى الجمهورية السادسة قد يكون الفرصة الأخيرة لإعادة بناء نظام سياسي يعكس تطلعات الشعب الفرنسي ويضمن استقراره.

أترك تعليق