الجزائر

سماء صافية °C 22

الجزائر تدير بوصلتها نحو غار جبيلات لتحصيل عائدات من 10 إلى 20 مليار دولار سنوياً

 

تولي الجزائر، في إطار مخططها الجديد للإنعاش الاقتصادي، أهمية بالغة لاستغلال وتثمين الثروات المعدنية والموارد المنجمية، في إطار المساعي إلى التقليص من التبعية لقطاع النفط والغاز، والذي أضحى اليوم لا يلبّي كافة احتياجات البلاد من الموارد والعائدات، حيث أدارت الكفّة إلى الثروات المعدنية والموارد المنجمية، التي تشكل في معظم بلدان العالم، عصب الاقتصاد، والمزوّد الأساسي للمواد الأولية الخام، المستخدمة في الصناعات الثقيلة و التحويلية، الإنشاءات ومشاريع البناء والهندسة المدنية، إضافة إلى مشاريع البنى التحتية والقاعدية، التي تعد بمثابة الواجهة الحقيقية لمسار تطوّر أي بلد.

وبعدما كان استغلال مناجم الحديد والصلب آخر اهتمامات الحكومات المتعاقبة، بفعل الاعتماد أكثر على سياسة “الريع النفطي”، اليوم تتجه الجزائر لوضع يدها أكثر على مواردها المنجمية والمعدنية، لتكون فاعلاً أساسياً في مسار تحقيق التنمية الاقتصادية، حيث وقّعت شركة “فيرال”الجزائرية  للحديد والصلب مؤخراً مذكرة تفاهم مع ائتلاف صيني، المشكل من مؤسسات “سي دابليو آي”، “إم سي سي”، و”هايداي سولار”، لاستغلال منجم غار جبيلات، وصفها وزير الطاقة والمناجم، محمد عرقاب، حينها بـ”التاريخي”.

وبعد نحو 70 عاماً من الحلم، أصبح استغلال منجم “غار جبيلات”، أحد أكبر 3 مناجم للحديد والصلب في العالم من حيث الاحتياطي جاهزاً للاستغلال، بالشراكة مع ثلاث شركاء صينيين، ويتعلّق الأمر ب “سي دابليو آي”، “إم سي سي”، و”هايداي سولار”، حيث تبلغ احتياطات المنجم المؤكّدة 3.5 مليار طن، منها 1.7 مليار طن يمكن استخراجها، وبتركيز عال يصل إلى 57 في المائة من الحديد، يضاف إلى عدة مناجم أخرى مستغلة، على غرار منجمي الونزة وبوخضرة، اللذين يبلغ احتياطهما معاً 70 مليون طن.

بعد أن تراجعت مداخيل الجزائر من النفط والغاز في 2020 إلى 22 مليار دولار فقط، نزولاً من 65 مليار دولار في 2013، التفتت إلى ثرواتها المنجمية الهائلة وغير المستغلة في معظمها، وأحد أهم هذه الثروات، منجم غار جبيلات للحديد، الملقب بـ”العملاق النائم”، والذي من المتوقع أن يوفر مداخيل سنوية بمليارات الدولارات، خاصة بعد الانتهاء من مراحله الثلاث في آفاق 2025، بما فيها إنشاء مركب ضخم لصناعة الحديد والصلب، لزيادة القيمة المضافة لخام الحديد، وتحقيق أرباح أكبر، بالإضافة إلى تقليص الواردات من المادة الخام الموجهة لمصانع الحديد والصلب الناشطة في الجزائر، والمتوقعة أن تصل في غضون 2025 إلى 25 مليون طن من الحديد الخام، على غرار مركب “توسيالي”بالشراكة مع المستثمرين الأتراك بوهران، و”بلارة” مع القطريين في جيجل.

وتسعى الجزائر لاستخراج 12 مليون طن سنوياً من الحديد الخام، لتموين مصانع الحديد والصلب المحلية، وأيضاً تصدير جزء منه إلى الخارج مع ارتفاع أسعاره إلى ما بين 100 و200 دولار للطن مطلع عام 2021. هذا، وترتفع أسعار الحديد بعد تحويله إلى صلب ما بين 400 و500 دولار للطن، مع الأخذ في الاعتبار التقلبات الحادة للأسعار في السوق الدولية.

وبكثير من التفاؤل، يتوقع من منجم “غار جبيلات” درّ مداخيل إجمالية بعد الانتهاء من كامل مراحل الإنتاج قد تصل ما بين 10 و20 مليار دولار سنوياً، إذا تم تصديره في شكل حديد صلب، وبكميات مضاعفة، ما سيقلص بشكل هام اعتمادها على مداخيل النفط، في ظل سعي الجزائر لضخ مزيداً من الاستثمارات في هذا القطاع، على غرار استخراج الفوسفات، والذهب والأتربة النادرة بجبال الهوقار، في أقصى الجنوب، وأيضاً الزنك في بجاية.

وأشارت التقديرات السابقة سنة 1953، أن تكلفة الإنتاج الباهظة لمنجم “غار جبيلات”، والمقدرة ب 10 و20 مليار دولار، أدّت إلى كبح المشروع، في ظل العجز على توفير هذا المبلغ في ظل الأزمة المالية التي تعانيها البلاد جراء تراجع مداخيلها النفطية، لكن التقديرات الأخيرة، حامت في حدود ملياري دولار فقط، ما جعل الجزائر تذهب لخيار الشراكة مع الصينيين، التي تعد أكبر منتج للحديد الخام والصلب، وتملك شركاتها الخبرة والتكنولوجيا في هذا الميدان.

ومن المرتقب أن يتم نقل الحديد المستخرج إلى ميناء مستغانم بدلاً من ميناء وهران، كما كان مرجحاً في السابق، وتصديرها إلى الخارج أو نقلها إلى ميناء جنجن بجيجل (نحو 700 كلم)، لتموين مصنع بلارة للحديد والصلب المقام بشراكة مع قطر، أو إلى ميناء وهران لتموين مصنع “توسيالي” التركي، بينما يتم إمداد مركب الحجار الضخم بخام الحديد المستخرج من منجمي الونزة وبوخضرة. كما أن المشروع سيمول نفسه بمجرد الانتهاء من المرحلة الأولى المقررة ما بين 2022 و2023، ما يعني أن التكلفة النهائية ستتجاوز ملياري دولار، خاصة عند إنشاء المركب الضخم للحديد والصلب في 2025.

ومن المرتقب أن يوفر مشروع غار جبيلات 3 آلاف منصب شغل مباشر خلال مرحلة الإنجاز، وآلاف مناصب الشغل غير المباشرة، بفضل تنشيط الحياة الاقتصادية بولاية تيندوف، عبر فتح مرافق ومشاريع أخرى مرتبطة بالمنجم، مثل الفنادق والمطاعم ووسائل النقل المختلفة.

ع.ح

أترك تعليق