الجزائر

سماء صافية °C 22

الجزائر تقلّص اعتمادها على القمح الفرنسي وسط توترات دبلوماسية (تقرير)

تصدير القمح بأحد الموانئ الصورة: (ح/م)

شهدت صادرات القمح الفرنسي إلى الجزائر توقفًا تامًا خلال الفترة الأخيرة، في ظل تصاعد التوترات السياسية بين البلدين. ما شكّل ضربة كبيرة للتجارة الزراعية الفرنسية. الجزائر، التي كانت تاريخيًا واحدة من أبرز وجهات القمح الفرنسي. باتت تعتمد بشكل رئيسي على الحبوب المستوردة من منطقة الأورال، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية.

القمح الفرنسي، الجزائر،
محصول القمح اللين الفرنسي الصورة: (ح/م)

ووفقا لتقرير صدر يوم السبت 18 جانفي 2025. فقد كانت الجزائر لسنوات الوجهة الأولى لصادرات القمح الفرنسي، حيث اعتمدت بشكل كبير على القمح الفرنسي لتلبية احتياجاتها الوطنية. وأشار آرثر بورتييه، محلل في شركة أرغوس ميديا فرنسا، إلى أن المطاحن الجزائرية كانت تستهلك كميات أكبر من القمح الفرنسي مقارنة بنظيراتها داخل فرنسا نفسها. في عام 2017، بلغت نسبة صادرات القمح الفرنسي إلى الجزائر 53% من إجمالي الصادرات الفرنسية خارج الاتحاد الأوروبي. لكن هذه النسبة تراجعت بشكل كبير لتصل إلى 18% فقط خلال عامي 2023 و2024.

ومع انطلاق موسم الحصاد لعام 2024، يبدو أن الوضع أصبح أكثر تعقيدًا، إذ يؤكد بونوا بيترمان، رئيس مجلس الحبوب الفرنسي، أن الجزائر لم تستورد أي كميات من القمح الفرنسي حتى الآن. ويرجع ذلك إلى “تجميد العلاقات التجارية” بين البلدين نتيجة الخلافات السياسية التي أثرت سلبًا على التجارة الثنائية.

كما يشير التقرير إلى أن القطيعة الحالية تمثل خسارة كبيرة للاقتصاد الفرنسي. خاصة أن الجزائر كانت تُعتبر سوقًا استراتيجيًا لصادرات القمح. ومع توقف السفن الفرنسية عن التوجه نحو الموانئ الجزائرية، تبقى السوق الجزائرية مفتوحة أمام القمح الروسي الذي اكتسب حصة سوقية كبيرة في السنوات الأخيرة، مستفيدًا من العلاقات القوية بين الجزائر وروسيا.

في هذا السياق، يرى الخبراء أن استمرار هذا الوضع قد يدفع المصدرين الفرنسيين للبحث عن أسواق بديلة لتصريف فائض الإنتاج. بينما تواصل الجزائر تعزيز شراكاتها التجارية مع دول أخرى لتلبية احتياجاتها من الحبوب.

تراجع صادرات القمح الفرنسي إلى الجزائر يثير القلق

تشير البيانات الصادرة عن هيئة FranceAgriMer، التابعة لوزارة الزراعة الفرنسية. إلى أن السوق الجزائرية التي كانت تاريخيًا وجهة رئيسية للقمح الفرنسي باتت شبه مغلقة أمام المنتجات الفرنسية. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل. أبرزها التوترات الدبلوماسية بين البلدين التي أثرت سلبًا على التعاون التجاري. بالإضافة إلى ذلك، أسهمت المنافسة المتزايدة من دول منتجة أخرى. خاصة بعد موسم حصاد ضعيف في فرنسا عام 2016، في فقدان القمح الفرنسي مكانته في السوق الجزائرية.

رغم أن المصدرين الفرنسيين يستمرون في تقديم عروضهم للسوق الجزائرية. إلا أن الجزائر لم تقم بأي عمليات شراء للقمح الفرنسي خلال الأشهر الأخيرة. وقد دفع هذا التوجه الجزائر إلى تعزيز سياسة تنويع مصادر الحبوب لضمان أمنها الغذائي. في هذا السياق، أعلن الأمين العام للديوان الجزائري المهني للحبوب، ناصر الدين مسعودي، في عام 2022، في تصريح نقلته وكالة الانباء الجزائرية أن الجزائر رفعت عدد مورديها من 22 إلى 32. ما يعكس استراتيجية واضحة لتوسيع قاعدة التوريد وتقليل الاعتماد على مصدر واحد.

وفي خضم هذا التوتر التجاري، زعمت تقارير إعلامية أوروبية أن القمح الفرنسي تم استبعاده من مناقصات جزائرية، وهو ما نفته OAIC بشكل قاطع، مؤكدة أن هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة. هذه الردود تعكس محاولة الجزائر الحفاظ على استقلالية قراراتها التجارية مع التركيز على تأمين احتياجاتها من مصادر متعددة.

التراجع في الصادرات الفرنسية إلى الجزائر ليس مجرد خسارة سوقية. بل يحمل تداعيات اقتصادية كبيرة على فرنسا. وفقًا للجمعية العامة لمنتجي القمح في فرنسا، انخفضت صادرات الحبوب الفرنسية إلى 9.7 مليون طن فقط، مقارنة بالمعدلات المعتادة التي تتراوح بين 15 و16 مليون طن. هذا الانخفاض أثر بشكل واضح على إيرادات فرنسا من صادرات الحبوب، التي بلغت 11 مليار يورو في عام 2022، لكنها انخفضت إلى 6.5 مليار يورو في العام التالي، مع توقعات بمزيد من التراجع في عام 2024.

تواجه فرنسا أيضًا تحديًا إضافيًا يتمثل في المنافسة القوية من القمح الأوكراني الذي بدأ يغزو الأسواق الأوروبية والدولية بأسعار منخفضة. وقد دفع ذلك الجمعية العامة لمنتجي القمح إلى المطالبة بإعادة فرض رسوم جمركية على الواردات الأوكرانية لحماية المنتجين الفرنسيين من الخسائر المتزايدة.

التراجع الكبير في صادرات القمح الفرنسي إلى الجزائر، التي كانت تاريخيًا واحدة من أكبر الأسواق، يعكس تحديات مزدوجة تتمثل في فقدان الحصة السوقية والمنافسة الدولية الشديدة. في ظل استمرار الجزائر في تنويع مصادرها واعتماد استراتيجيات جديدة لضمان أمنها الغذائي، تبدو فرنسا مضطرة لإعادة النظر في سياساتها.

أترك تعليق