الجزائر

سماء صافية °C 22

بشار، تندوف وغار جبيلات.. عمار تو يكشف الخطوط التي ستغيّر وجه الاقتصاد الجزائري

وزير النقل الأسبق عمار تو

أعلنت الجزائر عن تسريع برنامجها الطموح لتوسيع شبكة السكك الحديدية إلى 15 ألف كيلومتر بحلول 2030. بدعم استثمارات تتجاوز 8 مليارات دولار. وتشمل الخطة خمسة مشاريع كبرى، أبرزها خط غار جبيلات لنقل خام الحديد وخط الفوسفات بتبسة. بهدف رفع الصادرات وتعزيز التصنيع المحلي. جاء ذلك وفق تحليل موسع لوزير النقل الأسبق عمار تو. الذي أكد أن هذه المشاريع حجر الزاوية لبلوغ ناتج محلي بـ400 مليار دولار بحلول 2027. مع التركيز على الشراكة الصينية لبناء صناعة سككية وطنية.”

محطة قطار العبادلة -بشار
محطة قطار العبادلة -بشار

في مساهمة تحليلية مطولة، كشف وزير النقل الأسبق والخبير الاقتصادي عمار تو عن الأهمية الاستراتيجية القصوى للبرنامج الجديد لتطوير شبكة السكك الحديدية في الجزائر. مؤكدًا أن هذا المشروع يمثل ركيزة مركزية لدفع عجلة التنمية الوطنية. وذلك في ضوء تدشين رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، يوم 24 أبريل 2025، لأول مقطع رمزي بطول 100 كيلومتر بين بشار وعبادلة من الخط الاستراتيجي بشار–تندوف–غار جبيلات.

من أزمة النفط إلى الانبعاث الاقتصادي

وحسب ما أوضحه عمار تو، فإن الجزائر عرفت انتعاشًا مهمًا لشبكة السكك الحديدية ابتداءً من عام 2008 في إطار تنفيذ المخطط الخماسي 2005-2008. قبل أن يتعرض هذا الزخم للتجميد الكلي بين 2014 و2019 بسبب الانهيار الحاد في أسعار النفط. وقد أشار إلى أن هذا التوقف جاء بشكل متناقض مع استمرار سياسة الاستيراد غير المجدي للمنتجات ذات الفائدة الاجتماعية المحدودة. وهو ما كشف لاحقًا عن فضائح تتعلق بالفوترة المضخمة وسوء تسيير الأموال العمومية. وأضاف أن مثل هذا التخلي لم يكن سابقة جديدة، إذ سبق أن عرفته الجزائر في سنة 1988 عقب الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الانخفاض العميق لأسعار النفط سنة 1986، وهي أزمة كانت قد خضعت لتحليل موسع.

في ظل هذه الخلفية، أكد عمار تو أن الجزائر بادرت منذ عامي 2021/2022 إلى إطلاق برنامج جديد ذي طابع اقتصادي عميق يهدف إلى استئناف وتوسيع المشاريع التي توقفت تدريجيًا منذ عام 2014، بوتيرة أكثر ديناميكية وسرعة. وقد أشار إلى أن بعض الإنجازات تحققت بالفعل، لاسيما فيما يخص استكمال الجزء المركزي من الطريق الدائري للهضاب العليا وربط بوقزول بالجلفة والأغواط، وهي مشاريع تم استلامها بين 2022 و2024.

وأوضح وزير التعليم العالي و البحث العلمي (197-199) أن طول شبكة السكك الحديدية انتقل من 1769 كيلومترًا في عام 2008 إلى نحو 5000 كيلومتر بنهاية عام 2024، رغم أن الهدف المبرمج كان الوصول إلى 12500 كيلومتر مع نهاية سنة 2025. واليوم، وفقًا لما جاء في مساهمته، فإن الطموح يتمثل في رفع طول الشبكة إلى حوالي 15000 كيلومتر مع حلول عام 2030، مستفيدًا من الأجواء الاقتصادية الملائمة التي أتاحها قانون المالية لسنة 2025.

خمسة محاور سككية .. الجزائر تحدد أفق 2030 بإرادة حديدية

وسلط عمار تو الضوء على خمسة مشاريع رئيسية اعتبرها محورية في دعم الاقتصاد الجزائري. أولها خط بشار–تندوف–غار جبيلات الذي يمتد على مسافة 950 كيلومترًا، حيث تم تدشين أول 100 كيلومتر منه يوم 24 أبريل 2025. هذا الخط سيخصص لنقل خام الحديد من منجم غار جبيلات، الذي يقدر احتياطيه بـ 3,5 مليار طن، نحو شمال البلاد. حيث تتمركز أكبر المجمعات الصناعية الفولاذية مثل مركب توسيالي الجزائر في أرزيو بطاقة إنتاج تبلغ 5 ملايين طن سنويًا، والمصنع الجزائري القطري في بلارة بطاقة 2 مليون طن مع توسعة قيد الإنجاز إلى 4 ملايين طن، بالإضافة إلى مركب الحجار بعنابة. وتوقع عمار تو أن يمكن هذا الخط الجزائر من تصدير ما بين 10 إلى 14 مليار دولار سنويًا انطلاقًا من سنة 2027، بمعدل 10 ملايين طن سنويًا.

أما المشروع الثاني -حسب وزير النقل الأسبق ( 2008-2013)- فهو الخط الرابط بين الجزائر وعين قزّام على مسافة تقارب 2500 كيلومتر. حيث تم استلام 400 كيلومتر منه وصولًا إلى الأغواط سنة 2024 مع قرب إطلاق التمديد نحو غرداية لمسافة 175 كيلومترًا. وأوضح أن هذا المشروع يشمل الربط بالحلقة الجنوبية الغربية الممتدة بين المنيعة وتيميمون وأدرار وبشار. وكذا الحلقة الجنوبية الشرقية بين ورقلة وحاسي مسعود. ويهدف إلى فك العزلة عن الجنوب الكبير وتعزيز تصدير المنتجات الفلاحية والصناعية إلى مختلف مناطق الوطن وحتى إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء عبر الطريق العابر للصحراء الذي شارف على الاكتمال.

طريق الفوسفات نحو مليارَي دولار

وفيما يتعلق بالمشروع الثالث، أشار عمار تو إلى الخط المزدوج المكهرب الذي يربط ميناء عنابة بمناجم الفوسفات بجبل العنق بولاية تبسة، على مسافة 422 كيلومترًا. وأكد أن هذا المنجم يحتوي على أكثر من 2,8 مليار طن من الفوسفات. وأن استغلاله سيوفر للجزائر ما يناهز ملياري دولار سنويًا. موضحًا أن استلام الخط مبرمج لنهاية عام 2026 مع استثمارات تقدر بنحو 7 مليارات دولار.

أما المشروع الرابع فيتعلق بخط السكة الحديدية الرابط بين بشار وأدرار بطول 577 كيلومترًا. والذي يكمل الحلقة الجنوبية الغربية. وحسب ما أوضحه عمار تو، فإن هذا الخط سيمكن من ربط ولاية أدرار بالشبكة الوطنية عبر بشار. خاصة وأن أدرار تعتبر منطقة صناعية وزراعية صاعدة. حيث تشهد مشاريع استثمارية قطرية ضخمة في إنتاج مسحوق الحليب وحليب الأطفال واللحوم الحمراء وأعلاف الماشية.
أما المشروع الخامس فهو ربط منطقة وادي سوف بشبكة السكك الحديدية الوطنية عبر ثلاث محاور استراتيجية. هي الوادي-جبل العنق، والوادي-ستيل-بسكرة، والوادي–توقرت. مما سيساهم في تعزيز تسويق المنتجات الزراعية المتنوعة ذات الشهرة الوطنية والدولية سواء داخليًا أو خارجيًا.

8 مليارات دولار لتأمين الإقلاع الاقتصاد

وبموازاة هذا الامتداد الهائل للشبكة، أشار وزير الصحة الأسبق (2005-2008) إلى أن السلطات قررت الانتقال نحو إنشاء صناعة وطنية متكاملة للسكك الحديدية. وأوضح أن هذا التوجه يشمل إعادة تأهيل مجمع عنابة الصناعي الذي كان ينتج معدات سككية قبل 1989. وتعزيز مصنع تركيب عربات الترامواي الذي تجاوز نسبة إدماج 30%. وتطوير ورشات سيدي بلعباس لتصنيع القطارات الحديثة بطاقة 2000 عربة سنويًا بالتعاون مع الصين. مع بلوغ نسبة إدماج صناعي تتراوح بين 25% و30%.

كما شدد عمار تو على ضرورة تعزيز ورشات الصيانة في الخروب ودار البيضاء وحسين داي والمحمدية. مع توسيع الشبكة نحو الهضاب العليا والجنوب، تماشيا مع الامتداد السككي الجديد. مؤكدًا أن الجزائر أصبحت في موقع تنافسي مع مشاريع عربية أخرى تهدف إلى تطوير صناعة السكك الحديدية.

وفيما يخص الجانب المالي، كشف عمار تو أن البرنامج الجديد لتوسعة الشبكة السككية واقتناء المعدات خصص له غلاف مالي قدره 700 مليار دينار جزائري. أي حوالي 5,2 مليار دولار خلال ثلاثين شهرًا حتى نهاية 2026. مع تقدير الكلفة الإجمالية للبرنامج بنحو 8 مليارات دولار عند احتساب كل المكونات من بنى تحتية وتجهيزات.

لا ينبغي أن تتوقف مهما كانت الأزمات 

وفي معرض تقييمه للصعوبات، اعتبر عمار تو أن مبررات توقف بعض المشاريع بسبب أزمة النفط لعام 2014 غير مقنعة. مشيرًا إلى أن المشاريع الاستراتيجية لا يجب أن تتوقف مطلقًا حتى أثناء الأزمات الاقتصادية. وضرب مثالا بتعثر أشغال خطوط توقرت–حاسي مسعود والبيض–المشرية، رغم أن التمويل يتم بالدينار الجزائري بنسبة 90%. وأن المواد المستوردة مثل قضبان السكك الحديدية لا تمثل سوى 7% فقط من التكاليف.

واختتم عمار تو مساهمته بالتأكيد على أن مشاريع السكك الحديدية تشكل اليوم دعامة أساسية لتحقيق هدف رفع الناتج الداخلي الخام إلى 400 مليار دولار بحلول سنة 2027. معتبرا أن الرهان الحقيقي يكمن في تثبيت هذه الديناميكية التنموية الطموحة وعدم التراجع عنها مهما كانت التحديات.

أترك تعليق