الجزائر

سماء صافية °C 22

بعد الجزائروفوبيا ..ريتايو يواجه تهم بتغذية الإسلاموفوبيا في فرنسا

من تهم “الجزائروفوبيا” إلى اتهامات “الإسلاموفوبيا”، يجد وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو نفسه في قلب عاصفة سياسية وأخلاقية جديدة، بعد أن حوَّل منصبه الوزاري إلى منصةٍ لترويج خطاب الكراهية. فبعد أشهرٍ من تصريحاته الاستفزازية التي أضرت بالعلاقات مع الجزائر. يواجه ريتايو اليوم موجة غضب عارمة داخل فرنسا، إثر اتهامه بـتغذية مناخ العداء للمسلمين. تزامنًا مع جريمة قتل شاب مالي  داخل مسجد بمدينة غارد، والتي تعامل معها الوزير بـ”تأخرٍ استفزازي” و”معايير مزدوجة”.

الاسلاموفوبيا في فرنسا
الاسلاموفوبيا في فرنسا

 المشهد يعيد إلى الأذهان سجل ريتايو الحافل بالتوترات: من دعمه لسياساتٍ عنصرية ضد الجزائريين والمهاجرين، إلى هتافه الصادم “ليسقط الحجاب!” في تجمع علني، مرورًا بتقاعسه عن إدانة جريمة الكراهية في غارد كـ”إسلاموفوبيا”. رغم اعتراف النيابة بتحقيقاتها في الدافع الديني. الآن، يتساءل الفرنسيون: هل يُمكن لوزير يُشرف على “الشؤون الدينية” أن يكون نفسه محرِّضًا على انقسام المجتمع؟ الإجابة قد تحدد مصير ريتايو السياسي، ومصير صورة فرنسا كـ”قلعة حقوق الإنسان”.

الفضيحة الأخيرة انفجرت عقب اغتيال الشاب المالي أبوبكر سيسي يوم الجمعة 25 أفريل، طعنًا داخل مسجد في منطقة غارد. وعلى الرغم من أن ريتايو حرص على إصدار بيان سريع عبر منصة “إكس”. معبرًا عن أمله في أن تسفر التحقيقات عن توقيف الجاني ومقدمًا دعمه لعائلة الضحية وتضامنه مع المجتمع المسلم، إلا أن انتقاداته لم تهدأ. فالغضب لم يكن منصبًا فقط على مضمون بيانه. بل أيضًا على سلوكه الميداني، إذ تأخر يومين قبل أن يتوجه إلى موقع الجريمة. دون أن تطأ قدماه المسجد الذي وقعت فيه المأساة، مكتفيًا بزيارة مقر المحافظة الفرعية. وهو ما اعتبره خصومه السياسيون والمراقبون دليلاً إضافيًا على ازدواجيته في التعامل مع قضايا تتعلق بالمسلمين.

جريمة غارد: تأخرٌ استفزازي و”معايير مزدوجة

موقف ريتايو المتخاذل سرعان ما أعاد إلى الأذهان ممارساته السابقة. حيث اعتاد خلال حوادث مشابهة استهدفت معابد يهودية أو كنائس أن يهرع فورًا إلى أماكن العبادة نفسها. أما هذه المرة، ورغم جسامة الجريمة التي استهدفت مسجداً ومواطناً مسلماً. فقد آثر الحفاظ على جدوله المرتبط بحملته للترشح لرئاسة حزب الجمهوريين، مفضلاً الاجتماعات الانتخابية على إبداء دعم حقيقي لمجتمع مسلم جريح.

ولم تفلت هذه الازدواجية من أسئلة الإعلام، إذ وجه له سؤال صريح عبر قناة BFMTV عما إذا كان سيتصرف بنفس البرود لو أن الجريمة وقعت في كنيسة أو كنيس. فجاء رده المرتبك، مدعيًا أنه “كان ينتظر الحصول على عناصر من التحقيق”. إلا أن تردده وافتقاده للثقة خلال المقابلة زادا من إحراج موقفه، وكشفا للرأي العام مدى تعاطيه الانتقائي مع قضايا العنف الطائفي.
ورغم أن الجريمة حملت بوضوح طابع الكراهية الدينية، يصر برونو ريتايو على رفض توصيف الحادثة بكونها نتاجا لمناخ الإسلاموفوبيا المتصاعد في فرنسا، مما أثار سخطاً مضاعفاً بين منظمات المجتمع المدني والطبقة السياسية اليسارية التي ترى أن ريتايو، عبر خطابه العدائي المستمر، يتحمل جزءًا كبيرًا من مسؤولية هذا المناخ المتأزم.

🃏«Il n’est pas allé dans la mosquée, il s’est cantonné à la sous-préfecture. Or, partout où il y a eu des crimes, dans les synagogues ou les églises, il s’est rendu dans les lieux de cultes(..)»

خطاب الكراهية: من “ليسقط الحجاب” إلى إنكار الإسلاموفوبيا

وفي تجمّع نُظم الأحد في باريس ضد الإسلاموفوبيا، لم يتردد جان لوك ميلانشون، زعيم حركة “فرنسا الأبية”. في تسمية ريتايو بشكل مباشر كأحد من غذوا الكراهية تجاه المسلمين. مذكّرًا بأن هذا الوزير كان قد صرخ علنًا في اجتماع عام “ليسقط الحجاب!”، في دعوة تحريضية فجّة على استهداف المسلمين ومعتقداتهم.

وفي سياق الانتقادات، أعادت سيغولين روايال، المرشحة الاشتراكية السابقة للرئاسة. فتح ملف تحركات ريتايو. مشيرةً إلى أن الوزير لم يزر المسجد الذي وقعت فيه الجريمة. بينما كان في كل مرة تحدث فيها جريمة ضد معابد يهودية أو كنائس يسارع شخصيًا إلى أماكن العبادة. مما يفضح مرة أخرى ممارسته لمكيالين في تعامله مع ضحايا العنف الديني حسب انتمائهم.

أما نجاة فالو بلقاسم، وزيرة التربية الوطنية السابقة، فقد ذهبت إلى أبعد من ذلك. متهمةً ريتايو بأنه “سلّط الأضواء السلبية على ملايين المسلمين”. مستغلاً قضيتهم كما “تكسر البيضات لصنع عجة”. في إشارة إلى توظيفه السياسي الفج لقضايا المسلمين سعياً وراء مكاسب انتخابية ضيقة.

ومع تزايد الضغط عليه، لم يجد ريتايو سوى التهرب من الإجابة الصريحة خلال لقاءاته الإعلامية. مكرراً أسطوانة مشروخة تقول إن “كل الإسلاميين يريدون فرض ارتداء الحجاب”. في خلط متعمد بين الإسلام كدين والإسلاميين كحركة سياسية. متجاهلاً أن تصريحاته تصب الزيت على نار الكراهية، وتعزز مناخ الشك والخوف تجاه الملايين من المسلمين الفرنسيين الأبرياء.

🃏«Une islamophobie, une haine des musulmans d’atmosphère, c’est d’une telle évidence(..) présentés systématiquement comme un danger une menace, déshumanisés. Mr Retailleau a conscience qu’il a jeté en pâture des millions de gens(..)»

من الجزائر إلى الانتخابات الرئاسية

لا تأتي الأزمة الحالية في فراغ، فريتايو – الذي  ينظر إليه كـ”الوجيه الجديد لليمين الفرنسي” يُواجه اتهاماتٍ متلاحقة بتدهور العلاقات مع الجزائر. بعد أشهرٍ من تصريحاته الاستفزازية التي وصفتها الحكومة الجزائرية بـ”العدائية”. ووصفها الشارع الفرنسي بالجزائروفوبيا كما تُلاحقه سوابقُ في دعم سياساتٍ عنصرية. مثل قانون منع الحجاب في الأماكن العامة. كما تعالت أصوات منددة بموجة التحريض والتضليل التي يقودها مسؤولون فرنسيون مدعومون من اليمين المتطرف. في استغلال مكشوف للورقة الجزائرية لغايات انتخابية بحتة، ما يهدد بتقويض أسس الحوار والتعاون بين البلدين.

وفي سياق مماثل، اعتبر مانويل بومبار، المنسق الوطني لحركة “فرنسا الأبية”، أن وزير داخلية ماكرون لم يكتف بتجاهل مسؤولياته كمسؤول عن الشؤون الدينية. بل ساهم، عبر تصريحاته العنصرية وتحريضه الصريح ضد الحجاب، في خلق “مناخ من الهوس العدائي تجاه المسلمين”. متسائلًا باستهجان: “ماذا كان سيقال لو أن ريتايو صرخ قائلاً ‘ليسقط الصليب’ أو ‘ليسقط الكيباه’؟”.

ولم تكن تصريحات بومبار مبالغة، إذ أن ريتايو، خلال اجتماع عام نظمته الجمعية الموالية لإسرائيل “إلنِت” في باريس يوم 26 مارس، صرخ بالفعل قائلاً: “À bas le voile!” (ليسقط الحجاب!). مُطلقًا بذلك واحدة من أكثر التصريحات استهدافًا ومباشرة ضد رمزية دينية تخص شريحة واسعة من المجتمع الفرنسي.

بذلك، يجد برونو ريتايو نفسه محاصرًا من كل جانب، لا فقط بسبب أدائه المتعثر إزاء الأزمة مع الجزائر التي استمرت زهاء تسعة أشهر، بل أيضًا بسبب مواقفه العدائية تجاه المسلمين، وتصريحاته التي يرى فيها مراقبون أنها تجاوزت حدود حرية التعبير إلى منطقة التحريض العلني على الكراهية.

أترك تعليق