الجزائر

سماء صافية °C 22

%80 ذات طابع عسكري.. تقرير يرصد تموينات الجماعات المسلحة في الساحل

 كشفت دراسة مُفصَّلة لـمركز أبحاث تسليح الصراعات (CAR)  النقابَ عن مفارقة مأساوية في الساحل: ترسانة الجماعات المسلحة الناشطة في المنطقة تعتمد بشكلٍ رئيسي على أسلحة “مُستوردة” من مخزونات جيوش الدول نفسها التي تُحارِبها! فالتحقيقات المُوسَّعة التي نُشرت الإثنين 29 أفريل 2025 تظهر أن غالبية الأسلحة المستخدمة في الهجمات تعود لعقود مضت. وتم اختلاسها عبر شبكات فساد داخلية أو انهيارات أمنية. ما يُعيد تسليط الضوء على “الثغرات المُميتة” في أنظمة مراقبة الترسانات العسكرية في الساحل.

جماعات من بوكو حرام صورة ليانداكس
جماعات من بوكو حرام صورة ليانداكس

وسط تصاعد العنف، تطفو أسئلةٌ حرجة: كيف تحوَّلت أسلحة مصمَّمة لحماية الحدود إلى أدوات تفجير واغتيالات؟ وهل يمكن كسر هذه الحلقة الخبيثة دون إصلاح جذري لبنى الحوكمة الأمنية؟ الإجابات قد تحدِّد مصيرَ الساحل كـ”بؤرة الإرهاب الأكثر دمويةً في القرن الحادي والعشرين”.

أظهرت دراسة حديثة أعدّها مركز أبحاث تسليح الصراعات (CAR  ونشرت نتائجها أمس الإثنين 28 أفريل 2025. أن الغالبية العظمى من الأسلحة التي تستخدمها الجماعات المسلحة الناشطة في منطقة الساحل الأفريقي. تعود أصولها إلى ترسانات جيوش المنطقة. مما يعكس خطورة تسرب العتاد العسكري إلى أيدي التنظيمات المسلحة. هذا الاكتشاف يأتي في وقت حرج، حيث سجلت منطقة الساحل في عام 2024 رقماً قياسياً غير مسبوق. بإحصائها أكثر من 51% من مجموع الوفيات المرتبطة بالإرهاب عالميًا. وفقًا لما أورده مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2025.

سباق تسلح إقليمي

وقد استند التحقيق، الذي استغرق سنوات عدة وتمخض عن تحليل معمق لأكثر من 700 قطعة سلاح تمت مصادرتها بين عامي 2015 و2023، إلى عمليات ميدانية قامت بها قوات الأمن المحلية ضد الجماعات المسلحة السلفية في منطقتي ليبتاكو-غورما (الحدود المشتركة بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر) وحوض بحيرة تشاد. ويُعد هذا الجهد امتدادًا لعمل منهجي دؤوب ينفذه المركز. الذي تأسس عام 2011 ويقع مقره في ويلز، بالتعاون مع قوات الشرطة والدرك والسلطات القضائية في بلدان الساحل.
كما يكشف التقرير، الذي نقلت تفاصيله قناة “فرانس24“، أن الترسانات المضبوطة تتكوّن بنسبة تقارب 80% من أسلحة ذات طابع عسكري. تركز أساسًا على البنادق الهجومية. إلى جانب رشاشات خفيفة وقاذفات قنابل ومدافع هاون وحتى قاذفات صواريخ.
وفيما تبين أن نحو 65% من هذه المعدات تعود إلى حقبتي الستينيات والسبعينيات. إلا أن ما يثير القلق بحسب كلاوديو غراميزي، رئيس عمليات CAR في غرب أفريقيا. هو ارتفاع نسبة الذخائر الحديثة ضمن مخزونات الجماعات المسلحة. ما يشير إلى أن سباق التسلح الجاري بين جيوش المنطقة يسهم، عن غير قصد، في تعزيز القدرات القتالية لهذه التنظيمات.

في هذا السياق، شدد غراميزي على أن الحل لا يكمن في الرد العسكري فقط، رغم ضرورته. بل يستوجب أيضًا إرساء نظام عدالة جنائية فعال، إلى جانب تبني تدابير اجتماعية مواتية، باعتبارها عناصر لا غنى عنها لكسر حلقة العنف المسلح.

 

 ليبتاكو-غورما وبحيرة تشاد.. بؤرتان لتكدس الترسانات

من جهة أخرى، أوضح التحقيق أن الجماعات المسلحة تمكنت من الاستحواذ على جزء كبير من هذه الأسلحة عبر هجمات مباشرة استهدفت القوات المسلحة الوطنية. وليس عبر قنوات التواطؤ أو الفساد. إذ أكد غراميزي أن حوالي ربع الأسلحة المصادرةمصدرها جيوش بوركينا فاسو ومالي والنيجر. مبرزًا أن هذه القطع غالباً ما تفقد خلال العمليات العسكرية. ثم يتم تداولها لاحقًا عبر الأسواق السوداء المحلية.

وعلى صعيد آخر، أظهر التحليل المقارن الذي أجراه خبراء المركز. أنه، رغم التشابه الأيديولوجي بين الجماعات الناشطة في ليبتاكو-غورما وحوض بحيرة تشاد، مثل تنظيم “الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى” وتنظيم “الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا” (ISGS وISWA). لم يتم رصد أي قنوات تموين أو شبكات تزود متبادلة بين هذه التنظيمات. وبالتالي، فإن النتائج تُفند مزاعم بعض القادة العسكريين المحليين. على غرار رئيس بوركينا فاسو إبراهيم تراوري، الذي سبق أن اتهم أطرافًا خارجية بتسليح الجماعات الإرهابية.

07 بالمئة من الترسانات مصدرها ليبيا

وفيما يتعلق بدور النزاعات الإقليمية، بيّنت الدراسة أن الأسلحة القادمة من ليبيا. والتي لطالما اعتُبرت مصدرًا رئيسيًا لتسليح الجماعات المسلحة بعد انهيار نظام معمر القذافي عام 2011، تشكل نسبة ضئيلة لا تتجاوز 7% من إجمالي الترسانة المضبوطة. ما يكشف أن انتشار السلاح داخل الساحل هو في الغالب ظاهرة داخلية، تعتمد على الأسواق الإجرامية المحلية أكثر من التدخلات الخارجية.
ويقول كلاوديو غراميزي: “لا شك أن الأسلحة القادمة من ليبيا ساهمت في تفاقم التهريب. لكن، على الأرجح، سرعان ما توقفت بسبب نقص في المخزونات وتدهور الوضع الأمني ​​في البلاد التي انزلقت إلى حرب أهلية عام 2015”.

كما يخلص التقرير إلى أن بناء منظومة فعالة لمكافحة تهريب الأسلحة في منطقة الساحل يتطلب. إلى جانب الجهود الأمنية، تعزيز الحوكمة الرشيدة، وتحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية شاملة. بما يكفل تجفيف منابع العنف المسلح وقطع طرق الإمداد عن الجماعات الجهادية.

أترك تعليق