الجزائر

سماء صافية °C 22

تقرير يرصد واقع الرقمنة في الجزائر… هل يعيق تجزؤ التنفيذ بلوغ السيادة الرقمية؟

الرقمنة، الجزائر

رصد تقريرٌ حديثٌ تحوُّلَ الجزائر الطموح نحو الرقمنة عبر إطلاق استراتيجيات وطنية كـ”الذكاء الاصطناعي 2024″ و”التحول الرقمي 2025″. مع تركيزٍ على تحديث الخدمات الحكومية وبناء بنى تحتية ذكية. ورغم إدارة المفوضية العليا للرقمنة لأكثر من 500 مشروع، يُظهِر التقرير فجواتٍ في الشفافية وتباينًا في تنفيذ المشاريع بين المناطق، ما يُهدِّد بتفاوت النتائج.

الرقمنة، الجزائر، الأمن السيبراني، الذكاء الإصطناعي، التحوّل الرقمي، الدينار الرقمي، رقمنة الملفات والمستندات، يونس قرار، علي كحلان، نسيم لوشاني، CARE،
واقع وتحديات رقمنة الإدارة في الجزائر الصورة: (تادامسا نيوز)

 وفقًا لتقرير حديث تشهد الجزائر منذ عام 2020 انطلاقة فعلية لمسارٍ طموح نحو الرقمنة، حيث تراوحت الإصلاحات بين السياسات الهيكلية والتشريعات المتقدمة والمبادرات المؤسسية. ورغم ما أظهرته الفترة الماضية من إنجازات ملموسة، فإن التقرير يشير إلى أن التطبيق العملي لهذه الرؤية تباين بين مناطق وقطاعات، مما يفرض إعادة توجيه الجهود نحو توحيد المنظومة وضمان استدامتها.

في الميدان السياسي والمؤسسي، يؤكد التقرير الصادر عن الخبير الاستشاري في الاستراتيجية الرقمية  على كحلان أن إطلاق الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي (2024) قد وضع إطارًا متكاملًا يغطي البحث والابتكار، وتطوير الكفاءات، وبناء البنية التحتية وقواعد البيانات. بالإضافة إلى تحديد القطاعات ذات الأولوية. كما أن الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي (2025) رسّخت أهدافًا واضحة تتمثل في تحديث الخدمات العمومية وتعزيز الجاهزية التقنية للاقتصاد، من خلال ربط الإدارات عبر بنية وطنية لتبادل البيانات وإطلاق هوية رقمية موحدة. غير أن المفوضية العليا للرقمنة (HCN). رغم إدارتها لأكثر من 500 مشروع، تعاني من ضعف الظهور الإعلامي وغياب موقع إلكتروني يوضح تقدم الأعمال، ما يعقّد مراقبة الإنجاز ويقلل من شفافية الأداء.

إرادة سياسية وخريطة طريق رقمية

وذكر المتخصص في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وإنترنت الأشياء.  ومن المنصات الحكومية، يبرز موقع bawabatic.dz. الذي يجمع خدمات عدة وزارات في واجهة واحدة، لكنه يعاني من بطء التحديث وتجربة مستخدم دون المستوى المطلوب. مما حدّ من قدرته على أن يكون نقطة انطلاق للمواطنين والمستثمرين. بيد أن بعض التطبيقات القطاعية نجحت في إثبات الكفاءة، مثل نظام التسجيل الجامعي لوزارة التعليم العالي الذي ينسّق توجيه الطلبة بعد البكالوريا ويدعم الدفع الإلكتروني. وكذلك بوابة “عدل” للسكن التي استعادت استقرارها بعد اضطرابات تقنية. وخدمة BaridiMob التي سجّلت أكثر من 20 مليون عملية خلال 2024. معززةً بذلك الشمول المالي الرقمي.

على صعيد الاقتصاد الرقمي، يشير الأستاذ السابق بالمدرسة العسكرية البوليتكنيكية (ENITA). إلى أن هذا القطاع وصل إلى نحو 2.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وهو رقمٌ متواضع لكنه محرك للنمو التنويعي. وقد أسهم نظام مجتمع الموانئ الجزائري (APCS)، المُطلق بدعم البنك الدولي في 2021، في خفض زمن معالجة الحاويات عبر دمج الإجراءات الجمركية والإدارية في منصة واحدة. ما زاد من تنافسية الصادرات غير النفطية. وفي مجال الشمول المالي، شهدت الجزائر توسعًا غير مسبوق في استخدام البطاقات المصرفية (15.6 مليون بطاقة) وزيادة خمسة أضعاف في المعاملات الإلكترونية خلال أربع سنوات، مع انتشار أكثر من 74 ألف جهاز دفع إلكتروني ومعالجة 503 مليار دينار عبر الهواتف المحمولة في 2024.

الشمول المالي وفنتيك المستقبل

ويحرز قطاع الفنتيك تقدّمًا ملحوظًا بعد إصدار لائحة البنوك الرقمية في أكتوبر 2024، غير أن غياب إطار متكامل لمقدمي خدمات الدفع (PSP) يبطئ إدخال حلول متقدمة كالمدفوعات من نظير إلى نظير والمحافظ الرقمية. في المقابل، يثمن التقرير دور GIE Monétique وSATIM في تسيير المدفوعات الإلكترونية وتشجيع التحول المصرفي.

أما في مجال دعم ريادة الأعمال الرقمية، فإن صندوق الشركات الناشئة الجزائري (ASF). وحاضنة الجزائر فينتشر، مدعومتين برصد مالي يصل إلى 1.2 مليار دينار لكل ولاية وأكثر من 2,000 شركة ناشئة معتمدة. تُسهمان في تمكين مشاريع في مجالات البرمجيات والطاقات والميكانيك الدقيق. غير أن التحدي يبقى في تمكين هذه الشركات من التوسع دوليًا والوصول إلى الأسواق الكبرى.

الخبير في تكنولوجيا المعلومات، الذكاء الإصطناعي، علي كحلان، الجزائر، رقمنة الإدارة، رقمنة الملفات والمستندات،
الخبير في تكنولوجيا المعلومات والذكاء الإصطناعي، علي كحلان الصورة: تادامسا نيوز
حاضنات ASF والتمويل الجماعي

ولا يغفل التقرير الدور المحوري لقطاع الاتصالات الذي يمثّل العمود الفقري لهذا التحول. إذ ارتفع عدد مشتركي الألياف الضوئية حتى المنزل إلى 1.9 مليون واُعتمدت سعة دولية قدرها 10.2 تيرابت في الثانية. مع توقع نشر خدمات الجيل الخامس مطلع 2026. وقد سجلت شركات “اتصالات الجزائر”، “موبيليس”، “دجيزي”، و“Ooredoo”. مجتمعةً إيرادات تجاوزت ثلاثة مليارات دولار في 2024. ما يعكس أهمية هذا القطاع في دعم الانتقال الرقمي.

وفيما يتعلق بالبُنى التحتية البشرية، يؤكد التقرير أن الجزائر تتمتع بنسبة 70٪ من السكان دون 35 عامًا. وينبغي استثمار هذا الرصيد عبر مراكز متخصصة مثل ENSIA وENSC وCDTA وCERIST. التي تخضّ تجربة الطلاب في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والبحث العلمي التطبيقي. ويسجل التقرير تجددًا في مشاريع مراكز البيانات المحلية، مع مؤشرات PUE منخفضة تشكل نموذجًا لكفاءة الطاقة. غير أن الاعتماد الكبير على تقنيات ومعدات مستوردة يبقى أحد أبرز معوقات السيادة التكنولوجية.

يختم الباحث دراسته بدعوة الحكومة والجهات المعنية إلى تسريع تعميم الهوية الرقمية والتوافق الرقمي. وتفعيل القوانين المتعلقة بالتوقيع الإلكتروني وحماية البيانات والأمن السيبراني. وتمكين DZ‑CERT من تنسيق جهود التصدي للهجمات الرقمية. كما يوصي بإطلاق خطة وطنية للتحول الرقمي الأخضر تضع معايير بيئية للبنى التحتية الرقمية، وتشكيل صندوق للابتكار في التقنيات النظيفة. لتعزيز استدامة هذه المسيرة وجعل الجزائر نموذجًا رائدًا في رقمنة الحكامة والتنمية.

أترك تعليق