الجزائر

سماء صافية °C 22

جبهات صراع عديدة فتحها المغرب على أهمّ شركائه في إفريقيا وأوروبا.. الوضع الاقتصادي إلى أين

في الوقت الذي تسعى فيه بلدان العالم إلى تعزيز صداقاتها وشراكاتها البينية، ببناء علاقات اقتصادية وتجارية “متينة ومتكاملة”، بما يضمن المصالح الاقتصادية والاجتماعية للدول، يسارع المغرب، في غضون السنوات الأخيرة، إلى خلق نزاعات و”بؤر توتر وصراع” “محتدمة” مع جيرانه وشركائه التجاريين، لتقوده هذه الدبلوماسية إلى الانعزال شيئاً فشيئاً، وإلى خسارة محتملة أكثر في عدد الشركاء الاقتصاديين والتجاريين، في وقت يحتاج البلد إلى موارد واستثمارات كبرى لتغطية نفقاته ومتطلبات اقتصاده الذي بات يعاني من مصاعب وكوابح تنموية متزايدة، لاسيما في ظل تفشي جائحة “كورونا”.

 

ويسعى المغرب بشتى الطرق لتأزيم علاقاته الاقتصادية والتجارية وحسن الجوار مع شركائه وجيرانه، وقد بدا ذلك جلياً في السياسة الدبلوماسية التي اعتمدتها المملكة خلال السنوات الأخيرة، وتتمثل في الهجوم على منتقدي سياساتها ومصالحها الإستراتيجية بما يعكف على خلق بؤر توتر وأزمات دولية ونزاعات إقليمية، مثلما هو الحاصل اليوم بالنسبة لعلاقاتها مع الجزائر، إسبانيا، ألمانيا، فرنسا، موريتانيا، وبلدان أخرى جعلتها المملكة وجهةً لسهامها، وأحدثت تشنجاً وشرخاً كبيراً في العلاقات البينية التي تربط بينها، ما من شأنها أن تسهم بفاعلية في إضعاف مستوى العلاقات الاقتصادية، وترمى بظلالها لا محالة على مستوى المبادلات التجارية، وكذا تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة إلى إقليم المملكة.

 

وباعتبار أن العلاقات الاقتصادية فيما بين البلدان لطالما استندت على جودة العلاقات الدبلوماسية، ومدى قابلية الدولة على مسايرة ومعالجة المشاكل والأزمات الإقليمية، بالسبل السوية، ودون الإضرار بالشركاء، فإنّ التشنجات الحاصلة في مستوى العلاقات الثنائية بين المغرب وبلدان متعددة ستنعكس بصورة أكثر سوداوية على الوضع الاقتصادي الراهن، بما في ذلك مستوى المبادلات التجارية، وكذا تدفق الاستثمارات الأجنبية، وهما العاملان الأهم في حفاظ أي دولةٍ على مرونة ومتانة اقتصادها، وكذا حركيتها التجارية عالمياً.

 

الجزائر..

 

بالرغم من تشنج العلاقات الثنائية بين الجزائر والمغرب، والتي لطالما ارتبطت بدعم الجزائر للقضية الصحراوية المطروحة أممياً، وعدم إبداء المملكة أي نية في التعاون مع الجزائر لكبح نشاط شبكات تهريب المخدرات (القنب الهندي) المنتج بأقاليمها، آخرها قضية التجسس المغربي على عديد الشخصيات والمسؤولين في الجزائر وبلدان أخرى شريكة، والتي أثارت موجةً من الجدل، إلاّ أن العلاقات الاقتصادية بين الجانبين بقيت قائمة، لكن دون أن تبلغ المستويات التي من شأنها أن تخدم مصالح الجزائر والمغرب معاً. ويشير تقرير نشرته مجلّة “جون أفريك” الفرنسية منتصف شهر ماي 2020، أنّه “التوترات السياسية المتكررة بين الرباط والجزائر لم توقف التجارة البينية بين البلدين، بل شهدت تطوراً بأكثر من نصف مليار دولار في السنة؛ ما يعكس ثقل الوزن الاقتصادي للبلدين”. وأوضح التقرير أنّه “رغم الاتصالات شبه مقطوعة بين الحكومتين، وعدم بلوغ التجارة المستوى الأمثل لها، بالنظر إلى حجم اقتصاد البلدين، إلاّ التجارة بين المغرب والجزائر كانت دائماً موجودة”، مبرزاً أن “قبل خمس سنوات فقط، كانت الجزائر هي الشريك الأفريقي الأول لجارتها المغربية حيث بلغت التجارة نحو 8.5 مليار درهم (نحو 793 مليون أورو في نهاية عام 2016)، وهي مكانة فقدت أخيراً لمصر”.

 

وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نهاية عام 2020 –بحسب التقرير- ما قدره 5.3 مليار درهم، وهو مبلغ –يقول- ضئيل يمثل أقل من 1 في المائة من الواردات والصادرات التي تقوم بها المملكة”. وفي 2017، استوردت المملكة – بحسب تقرير لمكتب الصرف المغربي- 2.9 مليار دولار على شكل محروقات من الجزائر، بالإضافة إلى استيراد الرباط لمنتجات جزائرية غذائية ونصف مصنعة وحيوانية ونباتية استهلاكية مختلفة، بقيمة تجاوزت 800 مليون درهم.

 

إسبانيا..

 

ولم يتوان المغرب في فتح جبهة صراع مع أحد أهم شركائه الاقتصاديين، ألا وهي إسبانيا، بعد السماح للزعيم الصحراوي، إبراهيم غالي بالدخول للعلاج في إسبانيا، وهو ما أثار حفيظة المغرب، وجعله –في تطور مفاجئ- يسمح بتسلل نحو 10 آلاف مهاجر غير شرعي نحو مدينة “سبتة” الاسبانية، الأمر الذي حرك الرأي العام الإسباني، بينما اعتبر مسؤولون إسبان ذلك “ابتزازاً” يضر بمصالح بلدهم. كما قرّر المغرب بعد ذلك، منح صفة “لاجئ سياسي” للزعيم السابق لإقليم كاتالونيا، كارليس بويجديمون، في خطوة استفزازية جديدة لابتزاز إسبانيا بعد استقبالها الرئيس الصحراوي على أراضيها. هذه الحيثيات حتى وإن كانت مدروسة، سترمي بظلالها لا محالة على الشراكة الاقتصادية القائمة بين الدولتين، في وقت تبلغ فيه قيمة صادرات إسبانيا نحو المغرب إلى 6.2 مليار أورو (نحو 7.6 مليار دولار)، في مقابل 6 مليارات أورو (نحو 7.3 مليار دولار) من الصادرات المغربية إلى إسبانيا.

وطفت في الآونة الأخيرة، خلافات سياسية بين مدريد والرباط، كان أبرزهما حول ملفين شائكين يتعلق الأول بمسألة ترسيم الحدود البحرية، والذي يعتبره المراقبون، بأنه من “الملفات الشائكة” التي لم يتمكن الطرفان من تجاوزهما إلى حد الساعة”. أما الملف الثاني، فيرتبط بموقف إسبانيا من اعتراف الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بالسيادة “المزعومة” للمغرب على الصحراء الغربية، حيث جددت إسبانيا تأكيدها على وقوفها إلى جانب الشرعية الدولية، وهو الموقف الذي اعتبرته الرباط “موقفا سلبيا”، باعتبارها الدولة الجارة والشريك الاستراتيجي.

 

فرنسا..

 

وفتح المغرب جبهة قتال جديدة، ولكن هذه المرّة مع شريكه الاقتصادي، فرنسا، بعد الفضيحة التي تناقلتها وسائل إعلام عالمية على نطاقٍ واسع، والمتمثلة في تجسّس المملكة على الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى جانب شخصيات ومسؤولين فرنسيين آخرين، يتخللهم صحفيون ومدراء جرائد، وكذا محامون وناشطين في الدفاع عن حقوق الإنسان، وذلك باستخدام إحدى أحدث برامج التنصت الإسرائيلية، “بيغاسوس”. وأعلن الادعاء العام الفرنسي أنه سيحقق في شكوى مرفوعة على أجهزة أمنية مغربية، بعد تجسسها صحفيين، ولكن دون أن يعطي تفاصيل أكثر حول قضية التجسس على الرئيس الفرنسي، وما هي التداعيات والتطورات التي يمكن أن تبلغها مستقبلاً. وبقدر ما تعتبر هذه الممارسات “منبوذة” عالمياً، وفق قوانين وتشريعات دولية مصادق عليها، بقدر ما ستعكس جانباً مظلماً من مستقبل العلاقات الاقتصادية الثنائية بين البلدين، في ظل عدم احترام القوانين والتعدّي عليها من الجانب المغربي، لاسيما وأنّ حجم المبادلات التجارية بين فرنسا والمغرب بلغ عام 2019 قرابة 11.58 مليار دولار، منها 5.336 مليار دولار، هي صادرات فرنسية نحو المغرب.

هذا، وجاءت فرنسا الأولى في سلم الاستثمار بالمغرب سنة 2013، بحوالي 750 شركة فرنسية تعمل هناك، منها 36 من الأربعين شركة مسجلة في كاك40 (بورصة)، بينما بلغ حجم تدفقها سنة 2011 أكثر من 760 مليون أورو، وتملك فرنس حصة 51 في المائة من إجمالي المخزون الاستثماري للمغرب.

 

ألمانيا..

 

إلى ذلك، لم تسلم ألمانيا من الصراعات التي أضحى يفتحها المغرب مع شركائه الاقتصاديين والتجاريين، وقد نالت نصيبها من التوتر والمقاطعة، بعد موقفها الصريح في القضية الصحراوية، المطروحة أمام الهيئات الأممية، حيث أعلن في مارس المنصرم “تعليق كل اتصال أو تعاون مع السفارة الألمانية في الرباط ومع كل المؤسسات الألمانية التابعة لها”، ليتبعه بعد ذلك استدعاء الرباط لسفيرتها في برلين من أجل التشاور. ومن شأن هذه الخطوة الإضرار بالمصالح الاقتصادية للمملكة، وهي التي بصدد البحث اليوم عن موارد واستثمارات جديدة لتعزيز اقتصادها، في ظل الرهانات التي يطرحها الاقتصاد العالمي بعد تداعيات جائحة “كوفيد19”.

في آخر تقرير للمكتب الفدرالي الألماني للإحصائيات، كشف أن ألمانيا صدرت إلى المغرب في 2020 بضائع بقيمة مليارٍ و900 مليون أورو، بانخفاض قدره 13.4 في المائة مقارنة بسنة 2019، تشمل بالأساس السيارات وقطع غيارها، والمنتجات الكيميائية والإلكترونيك، فيما صدر المغرب إلى ألمانيا بضائع بقيمة مليارٍ و300 مليون أورو، ما يمثل انخفاضا قدره 6.1 في المائة مقارنة بسنة 2019. تقول السفارة الألمانية بالرباط، إن ألمانيا قدمت 490 مليون أورو كمتوسط للمغرب سنويا في الفترة ما بين 2015 و2019، لأجل دعم الاستثمار الخاص والتنمية الاقتصادية المستدامة، فضلا عن الدعم الألماني للمغرب داخل الاتحاد الأوروبي.

 

موريتانيا..

 

إلى جانب البلدان الأوروبية الشريكة للمغرب، فقد برزت بوادر أزمة دبلوماسية أخرى مع الجارة موريتانيا، وهذا بعد زيارة وفد لجبهة البوليساريو إلى نواكشوط والاستقبال الرسمي الذي خصصه الرئيس الموريتاني للمستشار السياسي لزعيم الجبهة. وقد أثار الاستقبال الرسمي لزعيم اليوليساريو غضب وحفيظة الرباط وكان سببا في رفضها زيارة ولد الشيخ أحمد وكذا مقترح الوساطة الموريتاني، فيما تتمسك نواكشوط من جهتها بما تعتبره حياداً إيجابيا في نزاع الصحراء الغربية، والذي هو مدرج اليوم في إطار هيئة الأمم المتحدة. وسبق وأن طفت إلى السطح بوادر عديدة لتشنج العلاقات الموريتانية المغربية، برزت بقيام موريتانيا بتخفيض تمثليها الدبلوماسي منذ ثلاث سنوات، ورفضها اعتماد سفير مغربي، وصدور تصريحات للأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، مست الوحدة الترابية الموريتانية، تعززت أكثر بحضور جبهة البوليساريو في موريتانيا خلال المؤتمرات والمنتديات الدولية والإفريقية بين رئيسي موريتانيا والبوليساريو، ورفض موريتانيا فتح قنصلية لها في مدينة “العيون” المحتلة، إلى جانب عزم السلطات الموريتانية غلق حدودها الشمالية، معبر الحدود البرية الوحيد بين موريتانيا والمغرب (الكركرات)، بعد المعارك الحاصلة هناك بين الجيش المغربي ونظيره الصحراوي.

ويعتبر معبر كركرات الواقع بالحدود الصحراوية الموريتانية شريان المبادلات التجارية بين المغرب وغرب أفريقيا، منها السنغال ومالي وغامبيا وساحل العاج والنيجر وتشاد وعدد من الدول الأفريقية الأخرى. وبلغت قيمة المبادلات التجارية بين المغرب وموريتانيا 215 مليون دولار أمريكي (1,9 مليار درهم) في الفترة ما بين 2009 إلى 2019، لتكون موريتانيا كثالث زبائن المملكة في القارة الإفريقية، بعد جيبوتي والسنغال، وفق بيانات “مكتب الصرف المغربي”.

 

ع.ح

أترك تعليق