الجزائر

سماء صافية °C 22

“قضية صنصال” تكشف الوجه القبيح لفرنسا

قضية بوعلام صنصال (تادامسا نيوز)

تشهد الجزائر منذ أيام حملة إعلامية وسياسية شرسة يقودها اليمين المتطرف في فرنسا وبعض  الأبواق المدافعة عن الكيان الصهيوني، في تصعيد غير مسبوق يعكس إزدواجية واضحة في المعايير الخطابية والسياسية. تستهدف هذه الحملة. التي تنضح بالكراهية والتضليل، المساس بصورة الجزائر على الساحة الدولية لتحقيق أهداف سياسية ضيقة.

بوعلام صنصال
بوعلام صنصال

الحملة بدأت بتصريحات أطلقها وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو، الذي أعرب خلال جلسة إستماع في مجلس الشيوخ عن رغبته في إنهاء إتفاقية 1968 بين الجزائر وفرنسا. واصفًا إياها بأنها “عفا عليها الزمن” و”غير مبررة”. الوزير الفرنسي ربط الإتفاقية بما سماه “الهجرة الإستيطانية”. رغم أنها خضعت لمراجعات عديدة دون أن تُلغى.

وقالت جريدة المجاهد الجزائرية في عددها الصدار اليوم، أن الجزائر لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه التصريحات. حيث عبّر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بوضوح عن رفضه لهذه الإدعاءات. معتبرًا أن الإتفاقية أصبحت مجرد “فزاعة” تستخدمها أقلية متطرفة معادية للجزائر. وأكد الرئيس تبون أن مثل هذه المزاعم تندرج ضمن محاولات إستهداف العلاقات الجزائرية الفرنسية وتغذية أجندات عدائية.
كما قال رئيس الجمهورية، في لقائه الدوري مع الصحافة يوم 05 أكتوبر 2024. أن “هذه الإتفاقية جاءت لتجاوز إتفاقيات إيفيان حول حرية تنقل الأشخاص بين البلدين”. وأضاف “وتم مراجعتها كل 10 سنوات، حتى أفرغت من محتواها. وتستعمل اليوم كفزاعة من طرف أقلية”.

تناقضات سياسية

هذا وقد التناقضات الفرنسية ظهرت جلية في قضية الكاتب الجزائري بوعلام صنصال، الذي تم توقيفه في الجزائر بتهمة “المساس بالوحدة الترابية”. ورغم إستفادته سابقًا من إمتيازات إتفاقية 1968، سارعت فرنسا إلى منحه جنسيتها و الدفاع عنه. حيث صرح وزير الداخلية الفرنسي أن بلاده “تدين له بالحماية”. مشيرًا إلى أن الرئيس الفرنسي يعمل على تأمين إطلاق سراحه في أقرب وقت ممكن. مما خلق جدلا واسعا النطاق في فرنسا. خاصة أن صنصال نفسه كان مستفيدًا من إمتيازات إتفاقية 1968.

و في وثيقة نشرها في نهاية ماي، طالب السفير الفرنسي السابق لدى الجزائر، والمعروف بعدائه للجزائر كزافييه درينكور، برفض هذه الإتفاقية.

هذا وأثارت تصريحات إدوار فيليب إنتقادات واسعة في الصحافة الجزائرية، حيث إعتبرت صحيفة الوطن أن “الضغط على الجزائر هو الهدف غير المعلن في هذه الحملة السياسية”.

وأكدت الصحيفة أيضًا أن إتفاقية عام 1968 لم تعد تحمل الكثير بعد تعديلها ثلاث مرات، وأن وضع الجزائريين أصبح يقترب بشكل كبير من القوانين العامة المطبقة على قضايا الهجرة في فرنسا. كما أفاد موقع “الجيري مينتونان” أن اليمين في فرنسا بدأ يستخدم كافة الوسائل المتاحة لتخريب زيارة الرئيس عبد المجيد تبون.

من جانبها، علقت وزارة الخارجية الفرنسية سابقا قائلة: “إتفاقية عام 1968 والتعاون بشكل عام هما موضوعان لحوار منتظم مع شركائنا الجزائريين”. كما تشير الأرقام الرسمية إلى أنه تم إصدار نحو 600 ألف “سند إقامة” للجزائريين في فرنسا خلال عام 2022.

برنار هنري ليفي: تحريف الحقائق وتسييس قضايا الجزائر ضمن أجندة صهيونية

في مقال جديد له بمجلة “لوبوان” الفرنسية، يعمد الكاتب الفرنسي وعراب الخراب، الصهيوني برنار هنري ليفي إلى الهجوم مجددًا على الجزائر. في إطار حملة شديدة التحامل على البلاد ورموزها. من خلال مقاله، يسعى ليفي إلى تحريف الحقائق والترويج لمواقف تخدم أجندته السياسية. مما يعكس بشكل واضح غطرسته المعهودة وحفاظه على ازدواجية المعايير في تعاطيه مع قضايا العالم غير الغربي.

ووفقا لما أوردته صحيفة الخبر، فإن المقال مليء بالتحيزات السياسية والثقافية التي تتجنب معالجة السياق الحقيقي للأحداث. ويستغل قضية توقيف الكاتب رشيد صنصال ليوجه اتهامات غير منصفة ضد الجزائر. حيث يصر ليفي على تقديم القضية على أنها تتعلق بـ”قمع حرية التعبير”، متجاهلاً الجدل الواسع حول مواقف صنصال السياسية، التي تتضمن تصريحات مثيرة للجدل تتعلق بعلاقاته بالمغرب ودعمه للكيان الصهيوني. بدلاً من أن يكون مقال ليفي دفاعًا عن حرية التعبير، يظهر بشكل جلي كدعم لرواية صهيونية تتجاهل مصالح الجزائر وشعبها.

وفي تكرار للمواقف الاستعلائية المعروفة عنه، يحاول ليفي التقليل من شأن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون متهمًا إياه بقمع الحريات. معتبراً أن توقيف صنصال والتهديدات ضد الكاتب كمال داود يمثل انتقامًا من الثقافة الفرنسية. وهو بذلك يغفل عن دور الجزائر الثابت في الدفاع عن سيادتها الوطنية والقضايا العربية. بما في ذلك الصراع الصحراوي المغربي، الذي ظل ليفي ينظر إليه من منظور ضيق يحابي الأطراف التي تتجاهل حقوق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.

كما يتعرض ليفي إلى انتقاد صريح لــ”صمت اليسار التقدمي” الفرنسي. متهمًا إياه بعدم التحرك ضد ما يسميه “قمع حرية التعبير” في الجزائر. بينما يغمض عينيه عن المواقف السياسية المثيرة للجدل التي تبناها صنصال، والتي تتعارض مع القيم التقدمية نفسها التي يدعي ليفي الدفاع عنها.

وبأسلوبه المعتاد، يواصل ليفي إستخدام منصاته للإساءة إلى الجزائر في سياق تحريفه للحقائق وتشويه الأوضاع، محاولاً فرض سردية تستند إلى رؤيته الخاصة التي تروج للأجندات الاستعمارية والصهيونية.

إزدواجية المعايير الفرنسية

في سياق متصل، أخذت هذه الحملة بُعدًا دوليًا، وإنتقلت إلى البرلمان الأوروبي. حيث إستغلت ماريون ماريشال، السياسية الفرنسية وابنة شقيقة مارين لوبان، منصة البرلمان الأوروبي لتوجيه إتهامات جزافية ضد الجزائر. وتحدثت بلغة عدائية غير مألوفة في الخطاب الدبلوماسي، داعية أوروبا إلى “التحرك” ضد الجزائر.

الصديقة السابقة لإريك زمور اقترحت العودة إلى “الأعراف الدبلوماسية القديمة” دون أن تعرف مبادئها. حيث دعت إلى “تبادل الجزائريين مقابل جزائري”.

وصلت إلى حد دعوة أوروبا إلى “التوقف عن غض الطرف”، مدعية أن “من واجبنا الأخلاقي والسياسي أن نتحرك”. واعتبرت أن قضية صنصال “إختبار للإتحاد الأوروبي الذي يُتهم كثيرًا بالتساهل مع الأنظمة القمعية”. متجاهلة أن قرار إعتقال بوعلام صنصال قرارٌ جزائري سيادي.

هذه التصريحات قوبلت بإنتقادات واسعة. خاصة أنها تجاهلت الأزمات الإنسانية الكبرى التي تشهدها غزة، في تناقض واضح مع مزاعم الدفاع عن حقوق الإنسان.

ما يثير الانتباه هو الإستخدام الإنتقائي لمفهوم حرية التعبير. حيث تدافع فرنسا عن شخصيات تتماشى مع أجندتها السياسية. بينما تتهم أخرى بدعم الإرهاب إذا عبرت عن تضامنها مع قضايا عادلة كالقضية الفلسطينية. الجزائر من جانبها أكدت أن سيادتها خط أحمر، وأن قوانينها تطبق على جميع المواطنين دون استثناء وفق القانون الجزائري لا غير.

وفي ظل هذه المعطيات، يبقى موقف الجزائر ثابتًا في مواجهة التدخلات الخارجية. مع تشديدها على ضرورة إحترام مبادئ القانون الدولي والعلاقات الثنائية المبنية على الاحترام المتبادل. وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول السيدة، وتؤكد التطورات الأخيرة أن مثل هذه الحملات لن تثني الجزائر عن الدفاع عن سيادتها.

النائبة الفرنسية ماتيلد بانو
النائبة الفرنسية ماتيلد بانو
نائبة فرنسية للفرنسيين “نظفوا أمام بيوتكم أولا”

في ظل التصريحات المثيرة التي أطلقها بعض السياسيين من اليمين المتطرف، المنتقدة لتوقيف المطلوب للعادلة الجزائرية صنصال بوعلام. وبدء التحقيق معه منذ زهاء أسبوع. أبدت النائبة الفرنسية ماتيلد بانو، المنتمية إلى حزب “فرنسا الأبية”، استغرابها من ازدواجية المعايير في هذا الشأن. مؤكدة على أن “مبدأ عدم توقيف الكتاب بسبب آرائهم يجب أن يكون مبدأ عالمياً، يشمل جميع الدول، بما في ذلك فرنسا”. واستحضرت في هذا السياق قضية كريستيان تين، رئيس حزب سياسي في إقليم كاناك بكاليدونيا الجديدة، الذي تم اعتقاله في يونيو الماضي في الأراضي الفرنسية.

وفي معرض إنتقادها للموقف الانتقائي الذي تتبناه بعض قيادات اليمين المتطرف في الدفاع عن “صنصال”. طالبت بانو بتطبيق المبادئ المتعلقة بحرية التعبير وحقوق الإنسان بشكل شامل لا يتجزأ. مؤكدة أن الدفاع عن هذه القيم يجب أن يكون متسقاً ومتماسكاً على الصعيدين الوطني والدولي.

وأشارت إلى أن المواقف المتباينة التي تتخذها بعض الأطراف في هذا الصدد، تعكس إزدواجية غير مقبولة في التعامل مع قضايا الحريات في العالم.

وأثناء حديثها على قناة “فرانس أنفو” الإخبارية، وعندما استعرضت النائبة بانو قضية السجناء السياسيين في فرنسا. بدا المنشط في حالة من الذهول، حيث تباطأ في ردوده وحاول أن يوجه النقاش بشكل يربط بين أوضاع الجزائر وفرنسا في مجال الحريات، بغية إحراج ضيفته. إلا أن بانو ظلت متمسكة بموقفها الثابت وأكدت أن الدفاع عن الحريات لا يجب أن يكون إنتقائياً بل يجب أن يعكس إلتزاماً حقيقياً وشاملاً بحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.

أترك تعليق