الجزائر

سماء صافية °C 22

من أوروبا إلى آسيا.. كيف ستُغير العقوبات خارطة صادرات الغاز الروسي؟ (أرقام)

الغاز الروسي

شهد سوق الغاز العالمي تغيرات جذرية منذ عام 2021 بفعل التوترات الجيوسياسية والأزمات الاقتصادية. تعرضت روسيا، كواحدة من أكبر مصدري الغاز في العالم. لضغوط شديدة نتيجة اعتماد أوروبا استراتيجيات جديدة لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

سيناريوهات تصدير الغاز الروسي
سيناريوهات تصدير الغاز الروسي

دراسة جديدة صادرة عن مركز أبحاث الطاقة في المملكة المتحدة (UKERC) في 4 يناير 2025 تقدم تحليلًا مستفيضًا حول مستقبل صادرات الغاز الروسي تحت تأثير سيناريوهين رئيسيين. ما يجعل هذه الدراسة تسلط الضوء على تعقيدات الأسواق العالمية في ظل التحولات الجيوسياسية.

منذ بداية جائحة كوفيد-19، شهد سوق الغاز تقلبات حادة ارتبطت بارتفاع الأسعار في أوروبا خلال النصف الثاني من عام 2021. عزت هذه الارتفاعات إلى تقليص الإمدادات الروسية. حيث امتنعت شركة “غازبروم” عن تعزيز المخزونات الأوروبية. وفي عام 2022، أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى انخفاض صادرات الغاز الروسي عبر الأنابيب إلى أوروبا لتصل إلى 20% فقط من مستوياتها قبل الحرب. وفي استجابة لهذه الأزمة، أطلق الاتحاد الأوروبي برنامج REPowerEU في مايو 2022، والذي يهدف إلى تحقيق استقلالية عن الوقود الأحفوري الروسي بحلول عام 2027، مع تعزيز قدرة أوروبا على استيراد الغاز الطبيعي المسال.

بين الأسواق المحدودة والتوجه الآسيوي

على الرغم من تنفيذ سياسات طارئة لخفض الطلب وزيادة استيراد الغاز الطبيعي المسال، خصصت الحكومات الأوروبية أكثر من 540 مليار يورو لحماية المستهلكين من تأثيرات الأسعار القياسية للغاز خلال شتاء 2022-2023. ورغم فعالية هذه الإجراءات، فإن التحول الأوروبي نحو الغاز الطبيعي المسال أدى إلى تفاقم أزمات الطاقة في دول أخرى مثل باكستان وبنغلاديش. حيث تسببت المنافسة على الإمدادات في انقطاعات واسعة.

وفقًا للدراسة، ترسم السيناريوهات المستقبلية لصادرات الغاز الروسي صورة معقدة. في السيناريو الأول، الذي أُطلق عليه “الأسواق المحدودة”، يفترض استمرار الصراع الروسي-الأوكراني على المدى الطويل. ما يؤدي إلى توقف كامل لصادرات الغاز الروسي إلى أوروبا بحلول عام 2027. تعيق العقوبات الغربية توسع روسيا في قدرات الغاز الطبيعي المسال. مما يحصر صادراتها في السوق الصينية عبر خطوط أنابيب محدودة مثل “قوة سيبيريا 1” التي ستبلغ طاقتها القصوى 38 مليار متر مكعب بحلول عام 2025. وفي المقابل، تتمكن الصين من فرض شروط أكثر صرامة على الأسعار نتيجة لضعف الخيارات الروسية، مما يؤدي إلى تراجع عائدات “غازبروم”.

أما السيناريو الثاني، المعروف بـ”التحول إلى آسيا”، فيتوقع انتهاء الصراع الأوكراني الروسي بحلول منتصف العقد الحالي مع استمرار التوترات السياسية. وفقًا لهذا السيناريو، تُبقي روسيا على صادراتها عبر خطوط أنابيب محدودة مثل “ترك ستريم”. في حين تركز جهودها على بناء خط “قوة سيبيريا 2” لتوريد 50 مليار متر مكعب من الغاز إلى الصين بحلول عام 2040. يعكس هذا السيناريو تراجعًا كبيرًا في الدور الجيوسياسي لروسيا، حيث تصبح أكثر اعتمادًا على السوق الصينية، ما يضعها في موقف تفاوضي ضعيف.

السيناريوهات

تظهر الدراسة أن كلا السيناريوهات يشير ان إلى انخفاض مستمر في صادرات الغاز الروسية مقارنة بمستويات ما قبل الأزمة. في السيناريو الأول، تنخفض الصادرات بنسبة تصل إلى 47% بحلول عام 2040، بينما يتيح السيناريو الثاني لروسيا استعادة بعض الخسائر عبر تعزيز صادراتها إلى الصين. ومع ذلك، تبقى العائدات المالية أقل بكثير مقارنة بما كانت عليه عند تصدير الغاز إلى أوروبا.

في سياق متصل، تشير الدراسة إلى أن أوروبا تمكنت من تحقيق تقدم ملحوظ في تقليل اعتمادها على الغاز الروسي. وعلى الرغم من زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال، فإن السياسات الأوروبية الرامية إلى تعزيز الطاقات المتجددة وتقليل استهلاك الطاقة ستؤدي إلى انخفاض تدريجي في الطلب على الغاز بحلول عام 2030. هذا التحول سيترك أثرًا واضحًا على السوق العالمية، حيث قد تواجه البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال في أوروبا خطر التقادم بحلول منتصف القرن.

بالنظر إلى التحديات التي تواجه روسيا في سوق الغاز العالمي، تسلط الدراسة الضوء على أهمية القرارات الاستراتيجية للصين في تشكيل مستقبل صادرات الغاز الروسية. من المتوقع أن تسعى الصين لتحقيق توازن بين أهدافها المناخية وأمنها الطاقوي. مع تجنب الاعتماد المفرط على الغاز الروسي. يشير التقرير إلى أن زيادة إنتاج الغاز المحلي في الصين وتنويع الإمدادات عبر الغاز الطبيعي المسال قد يحد من قدرة روسيا على الاستفادة من السوق الصينية.

ختامًا، توضح الدراسة أن الأحداث الجيوسياسية والسياسات المناخية قد أعادت تشكيل مشهد الطاقة العالمي. حيث تواجه روسيا تحديات كبرى لاستعادة مكانتها كمصدر رئيسي للغاز. في المقابل، تستمر أوروبا والصين في اتخاذ خطوات لتقليل الاعتماد على الإمدادات الروسية. مما يعكس تحولًا استراتيجيًا بعيد المدى في أسواق الطاقة.

مهماه بوزيان خبير طاقوي ومستشار في الطاقات المتجددة
مهماه بوزيان خبير طاقوي ومستشار في الطاقات المتجددة
ما هو مستقبل الغاز الروسي في أوروبا؟

وفي سياق التطورات الأخيرة المتعلقة بصادرات الغاز الروسي إلى أوروبا، أشار المحلل مهماه بوزيان في تصريح لتادامسا نيوز إلى أن التحديات الحالية لا تنحصر فقط في إنهاء تدفقات الغاز عبر الأنابيب، بل تشمل أيضًا تأثير العقوبات على تجارة الغاز الطبيعي المسال. وأوضح أن أوروبا، رغم إعلانها التوجه نحو تصفير واردات الغاز الروسي بحلول عام 2027، سجلت في عام 2024 ارتفاعًا قياسيًا في وارداتها من الغاز الطبيعي المسال الروسي، حيث تراوحت التقديرات بين 15.6 و17.8 مليون طن، وهو ما يفوق بكثير واردات عام 2023 التي بلغت 15.1 مليون طن.

وأضاف بوزيان أن جزءًا من هذه الواردات يتم إعادة تصديره إلى دول ثالثة، حيث يقدر أن 20% من الغاز الطبيعي المسال الروسي الذي يصل إلى أوروبا يتم توجيهه إلى دول أخرى. وأكد أن هذه الممارسة ستتوقف تمامًا في مارس المقبل بموجب عقوبات الاتحاد الأوروبي. كما سلط الضوء على أن روسيا ظلت في 2024 ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال لإسبانيا بحصة بلغت 21.3%. متأخرة عن الجزائر التي هيمنت بنسبة 38.5% من إجمالي واردات الغاز الطبيعي المسال إلى السوق الإسبانية.

أشار المحلل إلى أن حصة الغاز الروسي في السوق الأوروبية تراجعت بشكل كبير من 45% في 2021 إلى 19% في 2024. مع تسجيل انتعاش طفيف مقارنة بعام 2023. ورغم ذلك، فإن أوروبا إلى غاية نهاية سنة 2024 كانت لا تزال تعتمد على الغاز الروسي عبر ثلاثة مسارات رئيسية هي: العبور عبر أوكرانيا بنسبة 30%، وخط أنابيب السيل التركي بنسبة 31%، والغاز الطبيعي المسال بنسبة 39%.

واختتم بوزيان تصريحه بالتأكيد على أن مستقبل الغاز الروسي في أوروبا يبدو غامضًا، خاصة مع تصاعد المنافسة من الولايات المتحدة، وسعي موسكو لتنويع أسواقها وتعزيز حصتها في آسيا. ورأى أن التحديات السياسية والاقتصادية الراهنة تفرض ضغوطًا كبيرة على روسيا لإعادة تقييم استراتيجياتها في قطاع الطاقة.

واردات الصينمن الغاز الروسي
واردات الصين من الغاز الروسي

أترك تعليق