الجزائر

سماء صافية °C 22

هكذا سيتضرّر الاقتصاد الجزائري بشدة من الانفجار الديمغرافي المتوقّع في غضون 2025

يُتوقع أن يواجه الاقتصاد الجزائري في غضون السنوات المقبلة، تحديات وانعكاسات كبرى، جرّاء تسارع وتيرة النمو الديمغرافي، والبالغة نحو 01 مليون زيادة سنوياً، مقابل تباطؤ كبير في النمو الاقتصادي، وفي تجسيد المشاريع الإنتاجية والتنموية، التي من شأنها تغطية احتياجات السوق،

وكذا متطلبات السكان من خدمات الإسكان والرعاية الصحية والتوظيف ووفرة المواد الاستهلاكية، إلى المنشآت الحيوية والقاعدية، دون اللجوء إلى الاعتماد أكثر على الواردات أو الاستدانة الخارجية، في ظل انكماش احتياطي الصرف إلى 42 مليار دولار مطلع العام 2021، مقابل 194 مليار دولار سنة 2013، وتراجع صادرات البلاد من المحروقات بنسبة 33 في المائة سنة 2020، إلى 23.8 مليار دولار فقط،

ليخلق ذلك عجزاً في الميزان التجاري ب10.6 مليارات دولار في 2020، مقابل 6.11 مليارات دولار في 2019، بزيادة 73.48 في المائة، متأثراً على نحو كبير بالتباطؤ الاقتصادي العالمي، جراء تفشي جائحة “كورونا”.

 

وسبق للديوان للإحصائيات (ONS)، التابع للجمارك الجزائرية، أن استشرف في عام 2013 انفجاراً محتملاً للنمو الديمغرافي في الجزائر، بأكثر من مليون زيادة سنوياً، لتبلغ 1.4 مليون في غضون العام 2025، مما سيترتب عنه زيادة في النمو الاقتصادي والمشاريع الإنتاجية والاستثمارية والخدماتية، لتتناسب وتتماشى مع احتياجات ومتطلبات الاقتصاد الوطني والسكّان.

وكان بالإمكان لو تمت تهيئة الظروف الملائمة لرعاية ومرافقة هذه الزيادات الديمغرافية اقتصادياً واجتماعياً، أن تكون بمثابة الدافع الأساسي في تحريك الآلة الاقتصادية والتنموية بالبلاد، فتسهم هذه الأدمغة والأذرع النشطة في الانتقال التدريجي من سياسة الاستيراد إلى التصنيع المحلي، من ثم التصدير جنباً إلى جنب مع صادرات النفط والغاز، التي باتت تستحوذ اليوم على نحو 93 في المائة من إجمالي الصادرات الوطنية.

لكن، بخلاف ذلك، نجد بأن الجزائر لا تزال رهينة الممارسات الاقتصادية السابقة، تعتمد أساساً على تجارة النفط لتغطية وارداتها من المواد الأوّلية والاستهلاكية، حيث أن الأزمة الصحية الأخيرة الناجمة عن تفشي وباء “كورونا”، وتعطيلها للحركية الاقتصادية والتجارية، أماط اللثام عن الواقع الاقتصادي “الصعب” للجزائر،

حيث سجلت معدلات النمو الاقتصادي تراجعاً ملحوظاً، بسبب تراجع صادرات البلاد من المحروقات بنسبة 33 في المائة سنة 2020، إلى 23.8 مليار دولار فقط، وهي عصب الاقتصاد الجزائري منذ الاستقلال، ليخلق ذلك عجزاً متزايداً في الميزان التجاري ب10.6 مليارات دولار في 2020، مقابل 6.11 مليارات دولار في 2019، بزيادة قدرها 73.48 في المائة.

بالإضافة إلى ذلك، يأتي هذا الانفجار الديموغرافي للجزائر في وقت تشهد فيه مواردها في المحروقات، التي تعتمد عليها الدولة عادة في تمويل الطلب الاجتماعي تهاوت من مستوى 60 مليار دولار في عام 2006 إلى نحو 22 مليار دولار سنويًا منذ العام 2015 و23.8 مليار دولار في 2020،

لتكشف حقائق مثيرة بشأن الوضعية الصعبة للاقتصاد الوطني، ألا وهي أن الاقتصاد الوطني لا يزال يعتمد فقط على الاحتياطات النقدية السابقة، وضخ العائدات النفطية إليه كل سنة، ما يعني أنّ إمكانية نضوب كافة احتياطي الصرف، ما هي إلاّ مسألة وقت فقط، في ظل تدهور وعدم استقرار أسعار النفط.

وفي ظل عدم إقرار أي سياسة للحد أو تسقيف الزيادات في  النمو الديمغرافي حتى تتلاءم مع طبيعة الاقتصاد الجزائري، فإن الركود الاقتصادي وتراجع مستويات التنمية الاجتماعية جراء نقص المشاريع الإنمائية وغياب الرؤية الاستشرافية المستقبلية للوضع بالبلاد، سيقود إلى تجاوز سريع للإنجازات المسجلة في غضون الخمسة عشر عامًا الماضية، بفضل وفرة الثروة المالية (البنية التحتية للطرق والإسكان على وجه الخصوص)، وذلك على وطأة ارتفاع الطلب الاجتماعي القوي للغاية، مقابل شح العائدات وضعف سياسة التمويل للمشاريع. وسيترتب على الاقتصاد الجزائري بشكل متزايد أن يتطور الآن ويساير هذه المتغيرات في سياق مقيد وعلى نحوٍ متنامي.

 

وأمام التوقعات والاستشرافات في بلوغ سكان الجزائر عتبة 50 مليون نسمة في غضون العام 2050، في حال الاستمرار على هذا النهج في الولادات، بنحو مليون زيادة إضافية سنوياً، وفي ظل مساعي الدولة في الاحتفاظ، لأسباب أيديولوجية بلا شك، بدورها كمشجع وداعم “حصري” للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلد، وفي ظل أيضاً عدم وجود ريع نفطي يتناسب مع هذه الشعبوية، فمن الواضح أن ذلك لن يكون أمراً سهلاً أمام قيود الميزانية، وستحدث دون شك إختلالات اجتماعية مستقبلاً، مما يستلزم الإقرار بإصلاحات هيكلية وسياسية عميقة، تتحقق فقط في حال التوقف عن ممارسة الأساليب القديمة، من خلال توزيع ريع المحروقات للحفاظ على السلطة.

 

ومع تجاوز عدد سكان الجزائر 50 مليون نسمة في غضون 2025، سيكون من الضروري على السلطة توفير الوظائف والسكن والرعاية الصحية والتعليم، والتكوين إلى المنشآت القاعدية والبنى التحتية، خلق ما لا يقل عن 550.000 وظيفة جديدة سنويًا للحفاظ على معدل البطالة عند المستوى الحالي البالغ 11 في المائة، في ظل تراجع مداخيل النفط والغاز ب10 مليارات دولار، إلى مستوى 23.8 مليار دولار في 2020، مقابل 35.8 مليار دولار في 2019. أما بالنسبة للإسكان، الذي يعدّ أحد أهم مشاكل الجزائريين منذ الاستقلال إلى اليوم، فإن الحفاظ على معدل الأشغال الحالي (5.5 في المائة)، يتطلب تسليم  ما لا يقل عن 450 ألف وحدة سكنية جديدة سنوياً، وهو أداء لم تحققه الجزائر حتى في الوقت الذي كانت فيه الأموال والوسائل متوافرة (2012-2013). وبالنسبة للتربية والتعليم والتكوين، فإن عدد المؤسسات البيداغوجية التي يتم إنجازها سنوياً تبقى بعيدة عن التطلعات، في ظل غياب الإمكانيات، وتطبيق نفس برنامج الإنجاز منذ الاستقلال. كما سيتعين في قطاع الصحة، إنجاز وتهيئة وحدات صحية جديدة، بما في ذلك إنشاء ما لا يقل عن 45000 سرير مستشفى إضافي لإدارة الأمراض الشائعة والأوبئة، وتشييد ألف مركز صحي متكامل، وتدريب آلاف الأطباء والمسعفين من أجل تغطية كافة الطلب المتنامي على الهياكل والخدمات الصحية.

 

عبدو.ح

أترك تعليق