الجزائر

سماء صافية °C 22

65 عامًا من الكذب.. الجزائر تفضح تلاعب فرنسا بملف التفجيرات النووية

فرنسا مطالبة بتسليم الخرائط الطبوغرافية الخاصة تفجيرات النووية بالجنوب الجزائري

تتصاعد المطالب الحقوقية والعلمية لإجبار فرنسا على تسليم الخرائط الطوبوغرافية السرية لمواقع تفجيراتها النووية الإجرامية في الجنوب الجزائري. وسط إدانة واسعة لما تعتبره الجزائر محاولة ممنهجة من باريس لطمس الحقيقة والتملص من مسؤوليتها التاريخية والجنائية عن إحدى أبشع الجرائم الاستعمارية التي لا تزال آثارها المدمرة تنهش الإنسان والبيئة في الجزائر.

موقع التجارب النووية الفرنسية في الجزائر
موقع التجارب النووية الفرنسية في الجزائر

و أكدت المحامية والناشطة الحقوقية فاطمة الزهراء بن براهم، في تصريح  نقلته وكالة الانباء الجزائرية عشية الذكرى الـ65 للمجزرة النووية الفرنسية بمنطقة رقان (أدرار). أن فرنسا ما زالت تسعى إلى طمس الحقائق وتزوير التاريخ عبر تقارير مفبركة وأكاذيب مفضوحة. تهدف إلى تبرئة نفسها من جريمة مكتملة الأركان ضد الشعب الجزائري. وأوضحت أن المعطيات العلمية والتاريخية تنسف الادعاءات الفرنسية. وتؤكد أن هذه التفجيرات لم تكن مجرد تجارب، بل عمليات إبادة ممنهجة استهدفت أرواح آلاف الجزائريين الأبرياء، تاركة وراءها كوارث صحية وبيئية مستدامة.

وشددت بن براهم على ضرورة إجبار فرنسا على الاعتراف بجرائمها النووية. وكشف المواقع الحقيقية لدفن النفايات المشعة، وتسليم الخرائط الطوبوغرافية الكاملة لهذه التفجيرات. إضافة إلى تحمل تكاليف تطهير المناطق الملوثة، وتعويض الضحايا وأسرهم الذين ما زالوا يعانون تداعيات الإشعاعات القاتلة التي تمتد آثارها لآلاف السنين. كما طالبت باعتبار يوم 13 فبراير يومًا عالميًا لضحايا التفجيرات الذرية، وعقد مؤتمر دولي لمحاسبة الدول التي تسببت في كوارث نووية.

مطالب جزائرية بكشف خرائط جرائمها النووية

وفي ذات السياق، أوضح الباحث في الهندسة النووية عمار منصوري أن التقارير الفرنسية التي تحاول التقليل من خطورة هذه الجرائم لا تستند إلى أي أساس علمي. مشيرًا إلى أن المخلفات الإشعاعية للتفجيرات لا تزال تُسجل آثارًا خطيرة على الصحة العامة. ما يستدعي مواصلة الضغط السياسي والقانوني على فرنسا لتسليم الخرائط الطوبوغرافية كاملة، وإجبارها على القيام بعملية تطهير شاملة للمنطقة.

من جانبه، أكد الباحث في التاريخ محمد لحسن زغيدي أن فرنسا مطالَبة بتحمل مسؤوليتها الجنائية الكاملة عن هذه الجريمة النكراء. مشددًا على أن هذه التفجيرات لم تكن مجرد “تجارب” كما تدّعي باريس. بل جرائم حرب مكتملة الأركان. حيث أُجريت وسط سكان مدنيين دون أي اعتبار لحياتهم أو مستقبل الأجيال القادمة. مما يجعلها إحدى أفظع الجرائم ضد الإنسانية التي يجب ألا تسقط بالتقادم.

وفي السياق ذاته، حذر أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة البليدة 2، بن يوسف تلمساني، من أن أي تساهل في هذا الملف يمنح فرنسا فرصة للإفلات من العقاب. داعيًا إلى تعبئة وطنية ودولية مستمرة لإرغام باريس على الاعتراف بجريمتها وإلزامها بالتعويض الفوري للضحايا.

وتأتي هذه التصريحات في وقت تتزايد فيه الأدلة العلمية والحقوقية التي تؤكد أن الآثار المدمرة لهذه التفجيرات لا تزال تهدد الأجيال الحالية والقادمة في الجزائر. مما يجعل هذا الملف جرحًا مفتوحًا في الذاكرة الوطنية الجزائرية، ودليلًا دامغًا على وحشية الاستعمار الفرنسي الذي لم يكتف بالقتل، بل زرع الموت لعقود قادمة في قلب الصحراء الجزائرية.

جريمة ضد الإنسانية بلا عقاب

 هذا و يحيي الشعب الجزائري بعد غد الخميس الذكرى ال65 لأولى التفجيرات النووية التي أجرتها السلطات الاستعمارية الفرنسية بالجنوب الجزائري, والتي ستبقى على مر التاريخ جرائم ضد الإنسانية ارتكبت مع سبق الإصرار والترصد ويترتب عنها قيام مسؤولية قانونية عن جريمة غير قابلة للتقادم.

ويعرف ملف جريمة العار التي ارتكبتها الدولة الفرنسية قبل ستة عقود تطورات هامة, حيث تم مؤخرا إدراج مطلب الجزائر المتعلق بتحميل فرنسا مسؤولياتها في إزالة المخلفات الكارثية للتفجيرات النووية بشكل واضح وصريح ضمن التشريعات البيئية الوطنية لتعزيز حقوق الأجيال الحالية والقادمة, وذلك من خلال نص قانوني متعلق بتسيير ومراقبة النفايات وإزالتها, صادق عليه مجلس الأمة شهر يناير الماضي.

فالجزائريون هم “أصحاب حق لن يسقط ويطالبون بالاعتراف بالمجازر التي ارتكبها الاستعمار”. مثلما أكد عليه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في خطابه الموجه للأمة أمام البرلمان بغرفتيه شهر ديسمبر الماضي, والذي قال فيه أن “الاستعمار ترك بالجزائر أمراضا يعاني منها أهلنا في الجنوب إلى غاية اليوم”.

كما جدد رئيس الجمهورية، في حوار أجراه مؤخرا مع جريدة “لوبينيون” الفرنسية. التأكيد على أن معالجة المخلفات المتعلقة بالتفجيرات النووية و باستخدام الأسلحة الكيميائية من طرف فرنسا. مسألة ضرورية لاستئناف التعاون الثنائي. داعيا إلى تسوية نهائية للخلافات المتعلقة بهذا الملف.

وأشار إلى أن ملف تنظيف مواقع التفجيرات النووية “ضروري وواجب إنساني وأخلاقي وسياسي وعسكري”. معتبرا أن هذه العملية ينبغي أن تتم مع السلطات الفرنسية التي ينبغي أن تكشف “بدقة” عن المناطق التي أجرت فيها هذه التفجيرات.

لتدارك المخاطر التي تشكلها مخلفات التفجيرات النووية, تم سنة 2021 إنشاء الوكالة الوطنية لإعادة تأهيل المواقع القديمة للتفجيرات النووية. حيث أن النشاط الإشعاعي البيئي في المناطق التي شهدت هذه الجريمة يبقى مرتفعا بسبب استمرار مخلفات الإشعاعات.

وفي تلك الفترة, ادعت قوات الاحتلال الفرنسي أن ما أسمته “التجارب” تجرى في مناطق غير آهلة وصحراوية وهي رقان (أدرار) وعين ايكر (تمنراست). في الوقت الذي كانت هذه المناطق تأوي قرابة 20 ألف مواطن مدني.

اليربوع الأزرق” في سماء رقان

وبتاريخ 13 فبراير 1960, قامت فرنسا بتفجير أول قنبلة ذرية في إطار العملية التي تحمل اسم “اليربوع الأزرق” في سماء رقان. مما تسبب في كارثة طبيعية وبشرية ويعادل هذا التفجير الذي تتراوح قوته بين 60 ألف و70 ألف طن من المتفجرات خمسة أضعاف قنبلة هيروشيما باليابان.

ويؤكد المؤرخون أن فرنسا الاستعمارية قامت خلال الفترة الممتدة ما بين 1960 و1966 بــ57 تجربة نووية وانفجارا. شملت 4 تفجيرات جوية بمنطقة رقان و13 تفجيرا تحت الأرض بعين إيكر. بالإضافة إلى 35 تفجيرا إضافي بالحمودية و5 تفجيرات على البلوتونيوم بعين إيكر الواقعة على بعد 30 كلم من الجبل. حيث أجريت التفجيرات تحت الأرض.

ولايزال سكان هذه المناطق يعانون الى اليوم من مخلفات التفجيرات. حيث يتم تسجيل سنويا عدة حالات سرطان وتشوهات عند حديثي الولادة وإعاقة وعقم واضطرابات نفسية مزمنة. إلى جانب الأضرار الكبيرة التي تهدد السلامة البيئية والإقليمية.

ولم يتم إلى غاية اليوم تسليم السلطات الجزائرية خرائط ومخططات تبين أماكن دفن العتاد المستعمل أثناء هذه التفجيرات. بالرغم من النداءات والمبادرات الكثيرة التي قامت بها عدة جمعيات للمطالبة بالتكفل بالضحايا. وكذا تطهير مواقع النفايات الإشعاعية واسترجاع الأرشيف الصحي والتقني.

ورغم أن هذا الطلب كان ضمن التقرير الذي رفعه المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سنة 2021. إلا أن فرنسا الرسمية ما زالت تصم آذانها تجاه هذا المطلب الذي يعد عصبا محوريا في علاقتها مع الجزائر.

أترك تعليق